للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويعجب الأمير الأديب الكاتب الشاعر الناقد الفنان عبد الله بن المعتز بفضل ثعلب وعلمه فيكتب إليه مادحًا مطريًا، هذه الأرجوزة الطريفة:

ما وجد صاد في الحبال موثق ... بماء مزن بارد مصفق

بالريح لم يطرق ولم يزنق ... جادت به أخلاف دن مطبق

في صخرة لم تر شمسًا تبرق ... فهو عليها كالزجاج الأزرق

صريح غيث خالص لم يمذق ... إلا كوجدي بك لكن أتقي

يا فاتحًا لكل باب مغلق ... وصيرفيًّا ناقدًا للمنطق

إن قال: هذا بهرج لم ينفق ... إنا على البعاد والتفرق

لنلتقي بالذكر إن لم نلتق

هذا والحديث عن علم ثعلب يجر دائمًا إلى ما كان بينه وبين المبرد من وشائج تتسم بالدعابة حينًا، وبالمنافسة والمنافشة حينًا آخر، بحيث اختلف العامة في شأنهما، أما العقلاء فقد عرفوا قدر كل واحد منهما، وأولوه ما هو جدير به من تكريم وتقدير، فمن العامة من كان يحاول الوقيعة بين العالمين الجليلين، فهذا واحد من جمهرة الناس المشغوفين بإشعار نار الخلاف بين كل من المبرد وثعلب يذهب إلى الأخير في داره ويقول له: يا أبا العباس، قد هجاك المبرد، فيقول له: بماذا؟ فيردد الرجل قولًا منسوبًا إلى المبرد ربما كان المبرد منه بريئًا:

أقسم المبتسم العذب ... ومشتكى الصب إلى الصب

لو كتب النحو عن الرب ... ما زاده إلا عمى القلب

فيجيب ثعلب بأبيات فكهة جرت على لسان أبي عمرو بن العلاء١:

شاتمني عبد بني مسمع ... فصنت عنه النفس والعرضا

ولم أجبه لاحتقاري له ... ومن يعض الكلب إن عضا؟


١ تاريخ بغداد "٥/ ٢٠٨".

<<  <   >  >>