فلا تكتحل عيناك منها بعبرة ... على ذاهب منها فإنك ذاهب
ولقد عمر ابن عبد ربه حتى الثانية والثمانين. وهو حين يصل إلى هذه السن الكبيرة يهتم ويشكو هموم الكبر وشكوى الشيخوخة، فيقول هذين البيتين الذين هما آخر ما قال من شعر:
وما لي لا أبكي لسبعين حجة ... وعشر أتت من بعدها سنتان
والزهد في شعر أبي عمر، أحمد بن عبد ربه على صدقه، وعمقه ليس مجرد أبيات أو مقطعات قالها معبرًا عن هموم شيخوخته واسترخاص دنياه، وإنما كان للرجل مذهب فريد في هذا الضرب من الشعر. فقد أنشأ عديدًا من القصائد أطلق عليها الممحصات، وذلك أنه محص شعر شبابه بأن نقض كل قطعة قالها هناك في صباه في الصبابة والغزل بقطعة أخرى من بحرها وقافيتها في المواعظ، وهو مذهب لم يسبق إليه على قدر علمنا في مثل تلك الصورة.
وإذا كان لنا أن نتمثل لهذا النوع من شعر ابن عبد ربه، فهذه مقطوعة قالها في بعض من أحب وكان أزمع على الرحيل في غداة بعينها فأتت السماء في تلك الغداة بمطر غزير حالت دون رحيل ذلك الذي أحب فكتب أبو عمر ابن عبد ربه يقول١: