للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما زلت أبكي حذار البين ملتهفًا ... حتى رثى لي فيك الريح والمطر

يا بردة من حيا مزنٍ على كبر ... نيرانها بغليل الشوق تستعرُ

آليت ألا أرى شمسًا ولا قمرًا ... حتى أراك فأنت الشمس والقمرُ

ويكتب شاعرنا أبو عمر ممحصة لقصيدته هذه ملؤها المواعظ وفيضها الزهد فيقول١:

يا قادرًا ليس يعفو حين يقتدر ... ماذا الذي بعد شيب الرأس تنتظر

عاين بقلبك إن العين غافلة ... عن الحقيقة واعلم أنها سقر

سوداء تزفر من غيظ إذا سعرت ... للظالمين فما تبقى وما تذر

لو لم يكن لك غير الموت موعظة ... لكان فيك عن اللذات مزدجر

أنت المقول له ما قلت مبتدئا ... هلا ابتكرت لبين أنت مبتكر؟

ولعلنا لاحظنا أن المصراع الثاني من البيت الأخير في الممحصة، هو نفسه المصراع الأول من البيت الأول في قصيدة الغزل التي محصها بهذه المواعظ الشعرية الزهدية النفيسة.

هذا هو أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه الشاعر الكبير الرقيق المبدع ذو العبارة الأنيقة واللفظة المنتقاة والمعنى المختار والقوافي الموقعة، والقصائد الكثيرة الوفيرة الرائقة الشائقة في مختلف موضوعات الشعر وأغراضه.

لقد وصف ابن عبد ربه الحرب قبل وصف المتنبي لها، فقال من جملة قصيدة هذه الأبيات في تصوير الموقعة٢:

ومعترك ضنك تساقت كماته ... كؤوس المنايا من كلى ومفاصل


١ المصدر "٤/ ٢٢٣، ٢٢٤".
٢ يتيمة الدهر "٢/ ٧٦".

<<  <   >  >>