للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يديرونها راحًا من الراح بينهم ... ببيضٍ رقاقٍ أو بسمرٍ ذوابل

وتسمعهم أم المنية وسطها ... غناء صهيل البيض تحت المناصل

إن الرجل قد جعل من وصف الحرب على فظاعتها معزوفة موسيقية ولكنها موسيقى دامية، وهي مقدرة لم تتوفر لغيره.

إنه يستعمل الصيغ النحوية في شعره ولكن لا يفسد بها شعره، كما فعل المتنبي بعد ذلك تقليدًا له فلم يحسن التقليد، يقول ابن عبد ربه١:

يا من يجرد من بصيرته ... تحت الحوادث صارم العزم

رعت العدو فما مثلت له ... إلا تفزع منك في الحلم

أضحى لك التدبير مطردًا ... مثل اطراد الفعل للاسم

رفع العدو إليك ناظره ... فرآك مطلعًا مع النحم

إن البيت الثاني مأخوذ من قول أشجع السلمي في الرشيد:

وعلى عدوك يا ابن عم محمد ... رصدان: ضوء الشمس والإظلام

فإذا تنبه رعته، وإذا غفا ... سلت عليه سيوفك الأحلام

وأما البيت الثالث فإن المتنبي قد اقتبس ما فيه من تعريفات نحوية في كثير من مدائحه لسيف الدولة في مثل قوله:

إذا كان ما تنويه فعلًا مضارعًا ... مضى قبل أن تُلقى عليه الجوازمُ

وإذا كان الحديث، عن ابن عبد ربه الشاعر ليس هذا مجاله بل مجرد إثبات شاعريته والتمثل لها فلننتقل إذن إلى ابن عبد ربه العالم المؤلف.


١ المصدر "٢/ ٧٥".

<<  <   >  >>