للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ينس ابن عبد ربه أن يضمن هذا الباب أشهر رسالة كتبت في البخل، وهي رسالة سهل بن هارون التي أنشأها مكيدة في العرب الذين اشتهروا بالكرم فدفعت به شعوبيته وحقده عليهم إلى كتابه رسالة في تمجيد البخل١.

والباب الثالث في الفكاهة، هو آخر كتاب في لآلئ العقد، إنه كتاب اللؤلؤة الثانية وقد جمع فيه ابن عبد ربه أشتاتًا من الفكاهات والأخبار المضحكة والنوادر الطريفة وأكثرها حدث لأعلام معروفين أو جرى لهم، ولا ينسى ابن عبد ربه أن يطرز حواشي هذا الباب كما يفعل دائمًا كلما سنحت له الفرصة أو ساعده المنهج بالأبيات اللطيفة والمقطوعات الطريفة من عذب الشعر ومختاره.

تاسعًا: وهذه الفقرة من تقديمنا للعقد الفريد تتصل بالثقافة العامة التي استهدفها صاحب الكتاب في بعض أبوابه، والحق أنه لا يخلو باب من أبواب الكتاب الخمسة والعشرين وما يتفرع عن كل باب من فصول من كل لون من ألوان الثقافة العامة رغم العمد إلى التخصص الدقيق في الموضوع نفسه، غير أن هناك أكثر من باب من أبواب الكتاب يمكن أن ننسب إلى المؤلف أنه حين كتبها كان يقصد إلى ما يمكن أن يسمى الثقافة الاجتماعية أكثر مما يقصد إلى الثقافة الموضوعية، فمن ذلك النسق مثلًا الباب الذي كتبه في طباع الإنسان وسائر الحيوان وتفاضل البلدان، وهو الذي أطلق عليه "كتاب الزبرجدة الثانية" إنه يتحدث فيه عن النفس والدار واللباس والتزين والتطيب والمشي والركوب ويتحدث عن الحيوان من خيل وبغال وحمير وعن السباع والطير والأنعام، ويتحدث عن مصايد الطير ومصايد السباع، وينحو منحى جغرافيًّا تاريخيًّا حين يتحدث عن بعض الأقطار مثل العراق والشام والجزيرة ومصر وفارس، ويتحدث عن المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى، ثم ينتقل فجأة إلى الحديث عن الطب والحجامة والتعويذ والرقي والسم والسحر والعين والحسد. ومن أبواب الثقافة الاجتماعية في "العقد" كتاب "الفريدة الثانية في الطعام والشراب، وهذا الباب على طرافة عرضه ومحتواه يكاد يكون كتابًا في الصحة العامة" بلغة دراسة الطب في عصرنا الحاضر مع عرض لبعض أنواع الأطعمة التي يقبل عليها من يهتمون بالأكل ويغرمون بلذيذ الطعام. وما دام الشراب يشكل قسمًا من هذا الباب فإن المؤلف يتحدث عن الخمر وبعض الأخبار عمن حد من الأشراف في شربها، والفرق بين الخمر والنبيذ -حسب رأيه ورأي غيره- ومناقضة ابن قتيبة قوله في الأشربة، ويعارض أقواله من خلال منطق النقاش أكثر منه من خلال التحليل والتحريم٢. ويكاد


١ العقد "٦/ ٢٠٠".

<<  <   >  >>