عليه فهمها، ذلك؛ لأنها مصطلحات موسيقية بحتة، وكلها متعلق بالعود العربي، فمن هذه المصطلحات البم والمثلث والمثنى والزير، إنها أوتار العود من أعلى إلى أسفل١.
وللعب الأصابع على الأوتار أماكن ذات مسميات فنية أيضًا، منها دستان الخنصر ودستان السبابة ودستان البنصر ودستان الوسطى. ولعلنا نلاحظ أن الخنصر والبنصر والسبابة والوسطى هي الأصابع التي تتحرك بنانها على الأوتار مشدودة على عنق العود في رشاقة وانتظام، فتحرك الأنغام متى كان صاحبها ملمًّا بفنه عارفًا بأصول العزف.
وسوف يصادف قارئ الأغاني وبخاصة عند الأصوات أسماء يشكل عليه أمرها حتى ليكاد ذهنه ينصرف إلى أوزان أبطال الرياضة في زماننا، مثل ثقيل أول وثقيل ثان، وخفيف الثقيل الثاني، وخفيف الخفيف، فلا عليه، إنها قوانين الغناء وهي لا تخرج عن ثمانية قوانين.
إن هدف الكتاب في طبيعته حسبما ذكرنا موسيقي من ناحية الشكل العام، ولكنه في واقعة كتاب عظيم من كتب أدبنا العريق، بل إن الناحية الأدبية فيه أوسع وأشمل منها من الناحية الموسيقية، فهو والأمر كذلك لا يمكن اعتباره كتاب طبقات رغم احتوائه على هذا العدد الهائل من شعراء الجاهلية والإسلام حتى نهاية القرن الثالث الهجري، فإن تلك الفكرة لم تجر لمؤلفه على خاطر ولم تلح له على بال.
إن الكتاب موسوعة أدبية فنية ثمينة. إنه ما يكاد يذكر صوتًا أي لحنًا حتى ينطلق منه ببراعة ورشاقة إلى المغني وأخباره، والشاعر وأشعاره وإن كان متصلًا بخليفة أو ملك تحدث عن هذا الملك أو ذلك الخليفة، وهو يدعم روايته بالإسناد، وإذا تعددت الروايات أثبتها على اختلافها. وفي أجزاء الكتاب العشرين وعلى سعة صفحاته تنتشر أخبار العرب وأيامهم وأنسابهم ومفاخرهم ومياههم ووصف لحياتهم الاجتماعية في أكثر من عصر وأكثر من مكان، ويركز المؤلف على مراكز الغناء وخاصة المدينة ومكة وبغداد. هذا فضلًا عن مئات التراجم وعديد السير، يضاف إلى ذلك كله تلك المجموعات الهائلة من الصور الأدبية من شعر وكتابة وخطابة وقصص ونوادر.
والأصفهاني يؤلف عن دراية ويكتب عن خبرة، فهو حين ينتقل انتقالًا مفاجئًا موضوع إلى غيره لا يصدر في ذلك عن غفلة، أو قلة دراية بأساليب التأليف ومناهجه، وإنما هو يعمد إلى ذلك عمدًا، فيقول في الصفحات الأولى من افتتاحية كتابه "فلو أتينا بما غني به من شعر شاعر ولم نتجاوزه حتى نفرغ منه، لجرى هذا المجرى وكان للنفس عنه نبوة،