دع الخلافة يا معتز عن كثب ... فليس يكسوك منها الله ما سلبا
أترتجي لبسها من بعد خلعكها ... هيهات هيهات فات الضرع ما حلبا
تا لله ما كان يرضاك المليك لها ... قبل احتقابك ما أصبحت محتقبا
فكيف يرضاك بعد الموبقات لها ... لا كيف، لا كيف إلا المين والكذبا
إن ابن المعتز، وهو إنسان له مشاعر البنوة وعزة الإمارة لا يؤاخذ إذا ما أهمل ذكر ابن الرومي في كتاب ألفه.
وقد يكون لابن المعتز رأي مقبول في إهمال ذكر الشاعر عبد السلام بن رغبان المعروف بديك الجن، فابن المعتز أمير عربي هاشمي من بيت الملك الهاشمي الذي ذاق المتاعب، وغرق في الفتن بسبب تآمر الشعوبيين، وكان ديك الجن من أكثر الناس كراهية للعرب، وأشدهم عصبية عليهم وشعوبية ضدهم، ومن ثم فقد يكون هذا هو السبب في إهمال شأنه.
وأما بالنسبة لإهمال ذكر يحيى بن زياد الحارثي، فإنه كان من كبار الزنادقة بل كان كبيرهم، وكانت صفة الزنديق على عهده لا تنصرف إلى أحد إلا إلى يحيى الحارثي، وكان يحيى على زندقته موسومًا بالظرف، فكان الناس إذا وصفوا إنسانًا بالظرف قالوا: هو أظرف من الزنديق، يعنون بذلك يحيى الحارثي. وابن المعتز رغم انغماسه في الترف وتورطه في المجون فما عرف عنه انحراف في عقيدته ولا ترخص فيها، وهو لذلك ربما كره أن يذكر في كتابه إنسانًا كان يتفاخر بزندقته ويعلنها على الناس في غير ما تحرج ولا تحشم.
بقي بعد ذلك أن ابن المعتز لم يكن يذكر سنوات وفاة شعرائه إلا نادرًا، إنه لم يكن يرى أن ذلك شيء ضروري بالنسبة إليه؛ لأنه يؤرخ لمجموعة من الشعراء في فترة محددة بما يزيد قليلًا على قرن واحد من الزمان، فهو لذلك كان يصرف اهتمامه إلى الفترة الزمنية التي عاشها الشاعر لا إلى التاريخ المحدد الذي يحد ميلاده ووفاته.
ومهما كان الأمر فكتاب طبقات الشعراء لابن المعتز يمثل لونًا فريدًا من التأريخ للشعراء ودراسة شعرهم، وهو بعد ذلك يعتبر بداية للتخصص في ميدان كتب طبقات الشعراء.