للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأديب وانطباع الإنسان فيجمع بين قصص المجون التي حدثت، والقصص الإنسانية المتعلقة بالأدباء والتي يمس بعضها أوتار القلوب مسًّا عميقًا مثل قصة محمود الوراق وجاريته سكن١.

سادسًا: يعمد ابن المعتز إلى ذكر أطراف من المساجلات الشعرية التي كانت تحدث بين سابقيه اللهم إلا ما ذكروه من نقائص، والمساجلات بطبيعة الحال لون أرقى من النقائض وأرق وأنظف وأعطر.

سابعًا: يذكر ابن المعتز بين الحين والحين طرفًا أدبية وملحًا اجتماعية ونكات تدفع الابتسامات إلى الشفاه دفعًا، وهو في ذلك لم يخرج عن منهج موضوعه، ولكنه لا شك رتب ذلك في نطاق سلامة منهجه حتى يبعد الملل عن نفس قارئه ويثير الفضول إلى متابعة قراءة ما يقدم من أدب، ويحلق عنصر تشويق وإمتاع لمتابعي كتبه٢.

ثامنًا: وامتدادًا للعنصر السابق من عناصر ميزات طبقات ابن المعتز ما يرمي به المؤلف في طريق القارئ وأما عينيه من أبيات للحمقى تثير الضحك والإشفاق أو قصائد للشعراء الهزليين الفكهين الذين ينتزعون الضحك انتزاعًا من أعماق القلوب، وفي أقل القليل يكون هذا الشعر عامل تسرية ومبعث ترفيه، على أن المؤلف قد لا يحتشم في بعض الأحيان ولكنها قليلة -فيأتي بشعر ماجن ولكن في مقام الإضحاك أيضًا.

وأما المآخذ التي يمكن أن تسجل على كتاب طبقات ابن المعتز، فلعل أهمها أنه كان به شيء من الأنانية، وقليل من البعد عن الموضوعية، فهو يهمل ذكر عدد كبير من الشعراء عن عمد مع أن بعضهم مدحوا قومه وهم من الشعراء الأعلام وفي مقدمتهم ابن الرومي وديك الجن ويحيى بن زياد الحارثي.

ولكن لعل لابن المعتز عذرًا في أن يخلي كتابًا ألفه من قوم أنف أن يكونوا نجومًا على صفحاته، فابن الرومي كان معاديًا لابن المعتز، وكان يعيش في كنف القاسم بن عبيد الله الذي كان واحدًا من الذين أوقعوا بابن المعتز كثيرًا من الأذى. هذا ولا يستطيع ابن المعتز -وهو محق في ذلك كل الحق- أن ينسى لابن الرومي هجاءه في أبيه المعتز بالله يوم أن خلع عن كرسي الخلافة، وابن الرومي سليط اللسان مر الهجاء. إن ابن المعتز لا يستطيع أن ينسى قوله في أبيه:


١ الطبقات "٣٨٥، ٣٦٧".
٢ المصدر "٥٥، ٥٩، ٣٤٢، ٣٧٤".

<<  <   >  >>