كل أسباب اهتمامهم، وملأ عليهم كل نواحي حياتهم، ففنوا فيه وأصبحوا نساكًا في محرابه، وتوفروا عليه بمجامع خواطرهم وفيض عواطفهم وذوب قلوبهم، بحيث قدموا لنا هذه الموسوعات الرائعة الخالدة، ذلك أن الوطن وأن اللغة وأن الأدب كانت كلها للمسلمين جميعًا، وليست لطائفة دون الأخرى من عرب أو عجم أو سود أو بيض، وأن الثقافة العربية كانت من السماحة بحيث استقطبت كل هذه الأجناس، وأن الأدب العربي كان من رحابة الصدر وسعة الأفق بحيث بسط جناحيه على هؤلاء جميعًا، فاستظلوا بظله ونعمه بفيئه فكانت ظلاله، وأفياؤه من الحنان، والرفق، والإيحاء، والخصوبة بحيث جعلت العطاء وفيرًا والحصاد مباركًا.
٨- أبو العباس أحمد بن محمد، شهاب الدين الخفاجي المتوفى سنة ١٠٦٩هـ، وهو أحد القضاة المصريين الذين جابوا الأقطار الإسلامية وانتقلوا بين ديارها، فأتاحت له ثقافته كما ساعدته همته على أن ينشئ العديد من الكتب النافعة، وفي مقدمتها كتابه "ريحانة الألبا وزهرة الحياة الدنيا" و "شفاء العليل فيما في كلام العرب من الدخيل" و "شرح درة الغواص في أوهام الخواص للحريري" و "نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض" و "عناية القاضي وكفاية الراضي" وهي حاشية على تفسير البيضاوي. وهذه الكتب جميعًا مطبوعة برد حياضها المتأدبون وينهل من فيضها الباحثون. هذا وله كتب مخطوطة لم تخرج إلى النور بعد، مثل "خبايا الزوايا بما في الرجال من البقايا" و "ريحانة الندمان" و "ديوان الأدب في ذكر شعراء العرب" و "السوائح"، كما أن له ديوان لا يزال مخطوطًا.
فالخفاجي، وهذه مؤلفاته ومخلفاته، علم من أعلام اللغة والأدب، وهو قاض جليل في مدن الخلافة العثمانية عاش متقلدًا القضاء متنقلًا بين الولايات في مصر ودمشق وحلب وسلانيك والبلقان، على أن أهم ما يعنينا من تلك المؤلفات في هذا المقام هو كتابه "ريحانة الألبا وزهرة الحياة الدنيا" الذي قدم فيه نماذج مختارة من التعريف بشعراء الشام ومصر والمغرب وجزيرة العرب، ولكن عمله هذا الجليل لم يكن من الاتساع بمكان، فجاء من بعده عالمان جليلان رسمًا على منواله وأتما عمله، هما المحبي وابن معصوم.
٩- محمد أمين بن فضل الله محب الله المحبي المتوفى سنة ١١١١هـ، ولعل شهرة المحبي ترتبط بعمله العلمي الكبير الجليل "خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر" وهو أكبر المراجع التي نستشيرها حينما نحاول الإلمام بشخصية من شخصيات ذلك القرن، كما أن له، وهذا هو الذي يعنينا، كتاب "نفحة الريحانة ورشحة طلا الحانة". وهو الحلقة من حلقات كتب طبقات الشعراء المتممة لكتاب الخفاجي الذي مر ذكره:"ريحانة الألبا". وقد اتسع المحبي في "نفحته" اتساعًا فيه عمق وشمول. والكتاب ضخم كبير، ظهرت منه حتى