للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جيد دعائه إلي، فذلك ما لا كلفة فيه عليه ولا ضرر يرجع به إليه، فربما انتفعت بدعوته وفزت بما قد أمن هو من مغرته.

وفي نطاق التيه والإدلال، يرق المؤلف في تيهه ويلتمس العذر لنفسه في إدلاله في نطاق الحجة المقبولة العبارة المستساغة ومن خلال عدة أبيات من الشعر المتوسط فيقول١:

ومع ما تقدم من اعتذارنا، ومر من تنصلنا، واستغفارنا، فقد رآني جماعة من أهل العصر وقد نظمت لآلئ هذا الكتاب، وأبرزته في أبهى من الحلي على ترائب الكعاب، فاستحسنوه والتمسوه لينسخوه، فوجدت في نفسي شحًّا عليهم، وبخلًا بعطف جيده إليهم؛ لأنه مني بمنزلة الروح في جسد الجبان، والسوداوين من العين والجنان، مع كوني غير راضٍ لنفسي بذلك المنع، ولا حامد لها على ذلك الصنع، لكنها طبيعة عليها جبلت، وسجية إليها جبرت، حتى قلت فيه مع اعترافي بقلة بضاعتي في الشعر، وعلمي بركاكة نظمي والنثر:

فكم قد حوى من فضل قول محبر ... ومن نثر مصقاع ومن نظم ذي فهم

ومن خبر حلو طريف جمعته ... على قدم الأيام للعرب والعجم

ترنح أعطافي إذا ما قرأته ... كما رنحت شرابها ابنة الكرم

ولو أنني أنصفته في محبتي ... لجلدته جلدي وصندقته عظمي

ولا عليه في ذلك كله فمن حق المبدع أن يتيه بما أبدع، وكتاب ياقوت يأتي بين الصفوة الممتازة من كتب التراجم التي لا يستغني عنها باحث، ولا يستطيع أن يغفل عن الانتفاع بها دارس، أو أديب.

رابعًا: أتبع ياقوت مقدمة الكتاب بدراسة طريفة في فصلين: فصل خصصه للحديث عن فضل الأدب وأهله ضمنه مجموعة ممتعة من الأخبار اللطيفة العذبة حول العلم والجهل، بعضها شعر وبعضها نثر، وهي في جملتها مختارات محبوكة نسج الحواشي بين نكتة، ووصية، ومقطوعة شعرية، ومحاورة عذبة بين العلم والأدب يرجح فيها ياقوت جانب الأدب


١ المصدر "ص٥٩".

<<  <   >  >>