للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحق أن ترتيب التراجم في معجم الأدباء من الدقة بمكان، فقد جنب القارئ بدقته الكثير من المتاعب التي يتعرض لها حين يحاول الاستعانة بكتاب تراجم عظيم آخر، مثل "تاريخ بغداد" على سبيل المثال الذي لم نستطع أن نجد لترتيبه مفاتيح إلا في نطاق اجتهاد محدود وقواعد غير ثابتة يصدق بعضها، ويشذ أكثرها.

ومع استعراضنا لمعجم الأدباء كله، واستقراء ترتيبه لم تقع العين إلا على أخطاء قليلة لا تستحق الاحتفال، فقد وردت ترجمة "محمد بن واقد" على سبيل المثال بين ترجمة محمد بن عمر بن عبد العزيز، وترجمة محمد بن فتوح الأزدي١، وكذلك وردت ترجمة ميمونة أبو ربيعة الأصبهاني بين ترجمة مكي بن زيان المكسيني وترجمة منداد بن عبد الحميد الكرخي ٢، وواضح أن كلا من الترجمتين قد حشرت في غير موضعها حسب الترتيب الهجائي، ويقيننا أن هذا الخطأ قد وقع من محقق الكتاب وليس من المؤلف.

ثالثًا: يتأرجح ياقوت في صدد تقديم كتابه بين طيبة ذوي الوقار، وتواضع العلماء وبين فخر ذوي التيه وإدلال ذوي الخيلاء، وهو في تواضعه ربما كان أكثر إدلالًا من في خيلائه، ولكن في أسلوب الحكيم وسياق الأريب، إنه يقول متواضعًا طالبًا العفو عن الزلل والغفران عن الخطأ هذا القول العذب الطريف٣:

"وأنا قد اعترفت بقصوري، فيما اعتمدت عن الغاية وتقصيري عن الانتهاء إلى النهاية، فاسأل الناظر فيه ألا يعتمد العنت، ولا يقصد قصد من إذا رأى حسنًا ستره، وعيبًا أظهره، وليتأمله بعين الإنصاف لا الانحراف، فمن طلب عيبًا وجد وجد ومن افتقد زلل أخيه بعين الرضا فقد، فرحم الله امرءًا قهر هواه وأطاع الإنصاف ونواه وعذرنا في خطأ إن كان منا، وزلل إن صدر عنا، فالكمال محال لغير ذي الجلال، فالمرء غير معصوم، والنسيان في الإنسان غير معدوم، وإن عجز عن الاعتذار عنا والتصويب، فقد علم أن كل مجتهد مصيب، فإنا وإن أخطأنا في مواضع يسيرة، فقد أصبنا في مواطن كثيرة، فما علمنا فيمن تقدمنا وأمنا من الأئمة القدماء إلا وقد نظم في سلك أهل الزلل وأخذ عليه شيء من الخطل وهم هم، فكيف بنا مع قصورنا واقتصارنا وصرف جل زماننا في نهمة الدنيا وطلب المعاش، وتنميق الرياش، الذي مرادنا منه صيانة العرض، وبقاء ماء الوجه لدى العرض.

وإنما تصديت لجميع هذا الكتاب لفرط الشغف والغرام، والوجد بما حوى والهيام، لا لسلطان أجتديه، ولا لصدر أرتجيه، غير أني أرغب إلى الناظر فيه أن يترجم علي ويعطف


١ معجم الأدباء "١٨/ ٢٧٧-٢٨٢".
٢ المصور "١٩/ ١٧٣".
٣ المصدر: المقدمة "ص٥٦، ٥٧، ٥٨".

<<  <   >  >>