للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يضمن كتابه أخبارهم، وفي تواضع العلماء الأصلاء يذكر ابن خلكان أنه غير معصوم من الخطأ، ويرجو ممن يجيئون بعده من أهل -مثابين- أن يصلحوا ما يكون قد وقع فيه من خطأ. بل إنه لا يغفل عن أن يذكر أنه ألف الكتاب في القاهرة في شهور سنة ٦٥٤ الهجرية.

فلنستمع إلى ابن خلكان، وهو يقدم لنا بنفسه في مقدمة كتابه المنهج الذي اتبعه، والطريق الذي سلكه في تأليف الكتاب١:

"هذا مختصر في التاريخ، دعاني إلى جمعه أني كنت مولعًا بالاطلاع على أخبار المتقدمين من أولي النباهة وتواريخ وفياتهم وموالدهم، ومن جمع منهم كل عصر، فوقع لي منه شيء حملني على الاستزادة وكثرة التتبع، فعمدت إلى مطالعة الكتب الموسومة بهذا الفن، وأخذت من أفواه الأئمة المتقنين له ما لم أجده من كتاب، ولم أزل على ذلك حتى حصل عندي منه مسودات كثيرة في سنين عديدة، وغلق على خاطري بعضه فصرت إذا احتجت إلى معاودة شيء منه لا أصل إليه إلا بعد التعب في استخراجه، لكونه غير مرتب، فاضطررت إلى ترتيبه، فرأيته على حروف المعجم أيسر منه على السنين، فعدلت إليه، والتزمت فيه تقديم من كان أول اسمه الهمزة، ثم من كان ثاني حرف من اسمه الهمزة أو ما هو أقرب إليها، على غيره، فقدمت إبراهيم على أحمد؛ لأن الباء أقرب إلى الهمزة من الحاء، وكذلك فعلت إلى آخره، ليكون أسهل للتناول، وإن كان هذا يفضي إلى تأخير المتقدم وتقديم المتأخر في العصر، وإدخال من ليس من الجنس بين المتجانسين، لكن هذه المصلحة أحوجت إليه.

ولم أذكر في هذا المختصر أحدًا من الصحابة رضوان الله عليهم، ولا من التابعين رضي الله عنهم، إلا جماعة يسيرة تدعو حاجة كثيرة من الناس إلى معرفة أحوالهم، وكذلك الخلفاء: لم أذكر أحدًا منهم اكتفاء بالمصنفات الكثيرة في هذا الباب، لكن ذكرت جماعة من الأفاضل الذين شاهدتهم ونقلت عنهم، أو كانوا في زمني ولم أرهم ليطلع على حالهم من يأتي بعدي.

ولم أقصر هذا المختصر على طائفة مخصوصة، مثل العلماء أو الملوك أو الأمراء، أو الوزراء أو الشعر، بل كل من له شهرة بين الناس ويقع السؤال عنه ذكرته وأتيت من أحواله بما وقفت عليه، مع الإيجاز كيلا يطول الكتاب، وأثبت وفاته ومولده إن قدرت عليه، ورفعت نسبه على ما ظفرت به، وقيدت من الألفاظ ما لا يؤمن تصحيفه، وذكرت من محاسن كل شخص ما يليق به من مكرمة، أو نادرة، أو شعر، أو رسالة ليتفكه به متأمله ولا يراه


١ وفيات الأعيان: المقدمة "١/ ١٩-٢١".

<<  <   >  >>