للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مقصورًا على أسلوب واحد فيمله، والدواعي إنما تنبعث لتصفح الكتاب إذا كان مفننًا.

وبعد أن صار كذلك لم يكن بد من استفتاحه بخطبة وجيزة للتبرك بها، فنشأ من مجموع ذلك هذا الكتاب، وجعلته تذكرة لنفسي، وسميته كتاب "وفيات الأعيان"، وأنباء أبناء الزمان، مما ثبت بالنقل أو السماع، أو أثبته العيان" ليستدل على مضمون الكتاب بمجرد العنوان.

فمن وقف عليه من أهل الدراية بهذا الشأن ورأى فيه خللًا فهو المثاب في إصلاحه بعد التثبت فيه، فإني بذلت الجهد في التقاطه، من مظان الصحة، ولم أتساهل في نقله ممن لا يوثق به، بل تحريت فيه حسبما وصلت القدرة إليه.

وكان ترتيبي له في شهور سنة أربع وخمسين وستمائة بالقاهرة المحروسة مع شواغل عاتقة، وأحوال عن مثل هذا متضايقة، فليعذر الواقف عليه، وليعلم أن الحاجة المذكورة ألجأت إليه؛ لأن النفس تحدثها الأماني من الانتظام في سلك المؤلفين بالمحال، ففي أمثالهم السائرة "لكل عمل رجال" ومن أين لي ذلك والبضاعة من هذا العلم قدر منذور، والمتشبع بما لم يعطَ كلابس ثوبي زور، حرسنا الله تعالى من التردي في مهاوي الغواية، وجعل لنا من العرفان بأقدارنا أمنع وقاية بمنه وكرمه، آمين".

إننا من خلال هذه المقدمة، أو هذا المنهج نستطيع أن نوضح أهم ميزات الكتاب وفوائده على النحو التالي:

أولًا: يضم الكتاب ثمانمائة وخمسًا وخمسين ترجمة لأعلام المسلمين والعرب وكل من يمكن السؤال عنهم من رجال ونساء على مساحة العالم الإسلامي كله من بخارى سمرقند وحدود الصين شرقًا إلى المغرب والأندلس غربًا. هذا من حيث المكان، وأما من حيث الزمان، فإنه يغطي الحقب الزمنية منذ القرن الأول الهجري حتى قرابة نهاية القرن السابع الهجري، وهي الفترة التي توفي فيها المؤلف.

ثانيًا: يذكر الكتاب سنة الميلاد ومكانه لكل عين يترجم له، كما يذكر سنة الوفاة ومكانها، وإذا كان هناك اختلاف بين المؤرخين في سني الوفاة أو الميلاد، فإنه يذكر هذا الخلاف، ثم يرجح ما يرى أنه الصواب، مثال ذلك قوله عن إبراهيم النخعي، وهو أول من ترجم له: "توفي سنة ست وقيل خمس وتسعين للهجرة وله تسع وأربعون سنة وقيل ثمان وخمسون سنة، والأول أصح"١.

ثالثًا: التزم المؤلف ذكر من يترجم لهم بحسب ترتيب الحروف الهجائية في الاسم


١ وفيات الأعيان "١/ ٢٥".

<<  <   >  >>