للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيه المقارعة أو المنافسة والمباراة، وليس هناك أعظم من المنافسة في تقديم العلم إلى الناس بل لعل هذا اللون من المنافسة هو أشرف ألوان المنافسات وأظهرها وأكثرها بركة وأجزلها ثوابًا.

إن للكتاب منهجًا واضحًا وغرضًا بينًا، ونحن نفضل أن نترك المؤلف يقدم منهج كتابه، بنفسه وبلغته الأدبية المتميزة به التي تعطي صورة واضحة عن أسلوب الكتابة في القرن الثامن الهجري الذي عاش المؤلف ثلثيه الأول والثاني، إن المؤلف بعد أن يستهل مقدمته بخطبة يحمد الله فيها ويصلي ويسلم على أنبيائه، ويتحدث عن أخبار الماضين وآثار السالفين والحكمة المستفادة من ذلك إذ:

وما نحن إلا مثلهم غير أنهم ... مضوا قبلنا قدمًا ونحن على الإثر

يقول:١

"والتاريخ للزمان مرآة، وتراجم العالم للمشاركة في المشاهدة مرقاة، وأخبار الماضين لمن عاقر الهموم ملهاة.

لولا أحاديث أبقتها أوائلنا ... من الندى والردى لم يعرف السمر

وما أحسن قول الإجاني:

إذا عرف الإنسان أخبار من مضى ... توهمته قد عاش في أول الدهر

وتحسبه قد عاش آخر دهره ... إلى الحشر إن أبقى الجميل من الذكر

فقد عاش كل الدهر من كان عالمًا ... كريمًا حليمًا فاغتنم أطول العمر

وربما أفاد التاريخ حزمًا وعزمًا، وموعظة وعلمًا، وهمة تذهب همًّا، وبيانًا يزيل وهنًا، وحيلًا تثار للأعادي من مكامن المكايد وسبلًا لا تعرج بالأماني إلى أن تقع من المصايب في مصايد، وصبرًا يبعثه التأسي بمن مضى، واحتسابًا يوجب الرضا، بما مر وحلا من القضا، وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك فكم تشبث من وقف على التواريخ بأذيال معالٍ تنوعت أجناسها، وتشبه بمن أخلده إلى الأرض، وأصعده سعده إلى السهى؛ لأنه أخذ التجارب مجانًا ممن أنفق فيها عمره، وتجلت له العبر في مرآة عقله فلم تطفح لها من قلبه


١ الوافي بالوفيات: المقدمة "١/ ٤-٧".

<<  <   >  >>