جمرة، ولم تسفح لها في خده عبرة، لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب.
فأحببت أن أجمع من تراجم الأعيان من هذه الأمة الوسط، وكملة هذه الملة التي مد الله تعالى لها الفضل الأوفى وبسط، وبخباء الزمان وأمجاده ورءوس كل فضل وأعضاده وأساطين كل علم وأوتاده، وأبطال كل ملحمة وشجعان كل حرب، وفرسان كل معرك لا يسلمون من الطعن ولا يخرجون عن الضرب، ممن وقع عليه اختيار تتبعي واختياري، ولزني إليه اضطرام تطلبي واضطراري، ما يكون متسعًا في هذا التأليف دره منتشقًا من روض هذا التصنيف زهره، فلا أغادر أحدًا من الخلفاء الراشدين، وأعيان الصحابة والتابعين، والملوك والأمراء والقضاة والعمال والوزراء، والقراء والمحدثين والفقهاء، والمشايخ، والصلحاء، وأرباب العرفان والأولياء والنحاة والأدباء والكتاب والشعراء، والأطباء والحكماء والألباء والعقلاء وأصحاب النحل والبدع والآراء، وأعيان كل فن اشتهر ممن أتقنه من الفضلاء، من كل نجيب مجيد، ولبيب مفيد.
طواه الردى طي الرداء وغيبت ... فواضله عن قومه وفضايله
فقد دعوت الجفلى إلى هذا التأليف، وفتحت أبوابها لمن دخلها بلا تسويغ تسويف، ولا تكليم تكليف، وذكرت لمن يجب فتحًا يسره، أو خيرًا قرره، أو جودًا أرسله، أو رأيًا أعمله، أو حسنة أسداها أو سيئة أبداها، أو بدعة سفها وزخرفها، أو مقالة حرر فنها وعرفها، أو كتابًا وضعه أو تأليفًا جمعه، أو شعرًا نظمه أو نثرًا أحكمه.
ذكر الفتى عمره الثاني وحاجته ... ما فاته وفضول العيش أشغال
ولم أخل بذكر وفاة أحد منهم إلا فيما ندر وشذ، وانخرط في سلك أقرانه وهو فذ؛ لأني لم أتحقق وفاته، وكم من حاول أمرًا فما بلغه وفاته على أنه قد يجيء في خلال ذلك من لا يضطر إلى ذكره، ويبدو هجر شوكه بين وصال زهره. قال الخليل بن أحمد رحمه الله تعالى: لا يصل إليه محتاجًا إليه؛ لأن المتوقف وجوده على وجود شيء آخر متوقف على وجوده ذلك الشيء، وهكذا كل علم لا يبلغ الإنسان إتقانه إلا بعد تحصيل ما لم يفتقر إليه. فقد أذكر في كتابي هذا من لا مزية له، وجعلت إصبع القلم من ذكره تحت رزه رزية، غير أنه له مجرد رواية، عن المعارف متفردة، ولم تكن له دراية، حمائمها على غصون النقل مغردة
والأيك مشتبهات في منابتها ... وإنما يقع التفضيل في الثمر
ولكن أردت النفع به للمحدث والأديب، والرغبة فيه للبيب الأريب وجعلت ترتيبه على الحروف وتبويبه، وتذهيب وضعه بذلك وتهذيبه، على أنني ابتدأت بذكر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم