أخرى من الثعالبي في اليتيمة، وإن تكن أقل تطابقًا من تلك التي التزمها ابن بسام.
وإذا كان أبو منصور، عبد الملك الثعالبي يعتبر من خلال "اليتيمة" الرائد الأول في الاهتمام بتدوين الأدب الأندلسي، فإن الباخرزي في "دمية القصر وزهرة أهل العصر" يعتبر الرائد الثاني في الموضوع نفسه، ذلك أن الباخرزي ألف "دميته" قبل سنة ٤٦٧هـ، وهي السنة التي توفي فيها، ولم يكن أندلسي واحد حتى تلك السنة ولعشرات غير قليلة بعدها من السنين قد سجل شيئًا من آداب قومه في كتاب، وقد أتى الباخرزي بعدد غير قليل من النصوص الأندلسية في القسم الثاني من كتابه الذي ضم إلى جانب ذلك عددًا من شعراء الشام وديار بكر والجزيرة وآذربيجان.
ويهتم عماد الدين الأصفهاني في "فريدة القصر" بأدباء المغرب والأندلس اهتمامه بأدباء مصر والشام والعراق والجزيرة، وقد خصهم بقسم كبير من كتابه يقع في أكثر من مجلد"١.
فإذا عرفنا أن العماد عاش بين سنتي ٥١٩هـ - ٥٧٩هـ أدركنا أن كتابه قد تأخر قليلًا من حيث زمن كتابته عن كتاب الذخيرة لابن بسام، ومن ثم فقد حوى أخبارًا وأشعارًا وتراجم لأدباء أندلسيين لم يترجم ابن بسام لهم، ولم يقدم دراسات عنهم فيما لو اعتبرنا أن ما قدمه ابن بسام دراسات، وليست مجرد أخبار وأشعار ونماذج نثرية.
ويجدر بنا أن نشير إلى أن كلا من الثعالبي والباخرزي، والعماد الأصفهاني كانوا من كتاب الطبقات، أي من أصحاب الدراسات وليسوا مجرد ناقلي نصوص أو مرددي أخبار، فقد كانت لهم أذواقهم الأدبية، وأحكامهم الفنية، يصدرونها في مقام النقد إعجابًا أو رفضًا في كثير من المواقع على مدى صفحات كتبهم العريضة.
٢-
ننتقل من كتاب الطبقات إلى كتاب التراجم المشارقة، ونقصد إلى القول إن كتاب التراجم -شأهم في ذلك شأن إخوانهم مؤلفي الطبقات- لم يتوانوا عن الترجمة لأعلام الأندلس، وإنما منحوهم من الاهتمام وخلعوا عليهم من الاحتفال ما منحوه لأعلام المشارقة، وما خلعوه على أعيانهم، وليس في ذلك شيء من الغرابة، فإن هؤلاء المؤلفين جميعهم من كتاب طبقات أو جامعي تراجم كانوا يتعاملون مع وطن واحد هو الوطن الإسلامي من تخوم وبخارى وسمرقند وأذربيجان شرقًا حتى شواطئ الأطلنطي غربًا، وكانوا يترجمون لمواطنين، مهما بعدت عنهم الشقة أو نأى بهم المكان وكانت المواطنية هذه إن