والقول نفسه نطلقه على كتاب "الوافي بالوفيات" لخليل بن أيبك المعروف باسم صلاح الدين الصفدي المتوفى سنة ٧٦٤هـ وهي السنة نفسها التي توفي فيها زميله الكتبي، غير أن الفرق كبير بين قيمة وحجم كل من الكتابين، ذلك أن الأول يقع في جزءين مطبوعين أما الثاني فيقع في العديد من المجلدات، طبع منها حتى تأليف كتابنا هذا ثمانية مجلدات كبيرة. ويضم الوافي بالوفيات ألفين وثلاثمائة وإحدى وخمسين ترجمة بينها عدد كبير من الترجمات لأدباء وأدبيات من الأندلس.
وإذا كان الصفدي قد وقف بتراجم أعيان كتابه عن منتصف القرن الثامن تقريبًا، فإن العالم الجليل ابن حجر العسقلاني ٨٥٢هـ يفرد كتابًا من خمسة مجلدات خص به الترجمة لأعيان القرن الثامن الهجري وحده دون غيره من القرون أطلق عليه "الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة"، وهذا الكتاب يقابل كتاب "الكتيبة الكامنة" للسان الدين بن الخطيب مع فارق منهج كل منهما.
وعن أعيان القرن التاسع يكتب شهاب الدين السخاوي كتابه الكبير "الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع" في اثني عشر مجلدًا، وكل من "الدرر الكامنة" و "الضوء اللامع" بضم العديد من الترجمات لأعيان الأندلس شأنهم في ذلك من العناية شأن بقية أعيان العالم الإسلامي.
ولم يقف الأمر فيما يتصل بعناية المشارقة بالأدب الأندلسي عند من ذكرنا، بل إن كتب الموسوعات التي كتبت في العصر المملوكي -وهي موضوع الباب القادم- مشحونة بالنصوص الأندلسية بين شعر ونثر مفعمة بأخبار الأندلس والأندلسيين من سياسية وأدبية واجتماعية، وفي مقدمة هذه الكتب مسالك الأبصار لابن فضل الله العمري، ونهاية الأرب للنويري، وصبح الأعشى للقلقشندي، وهذا الكتاب الأخير المكون من أربعة عشر مجلدًا متخم بالنصوص الأدبية الأندلسية والرسائل الديوانية الرسمية منها بوجه خاص.
بل إن بعض كبار أدباء المشرق قد توفروا على بعض الأعمال الأدبية الأندلسية تقديمًا وشرحًا وتعليقًا، فالأديب الكبير ابن نباتة المصري يتلقف رسالة ابن زيدون الهزلية التي كتبها إلى ابن عبدوس على لسان ولادة بنت المستكفي فيعكف على شرح مفرداتها وما حوت من عبارات مستغلقة أو أمثال سائرة، ثم يترجم لكل علم من الأعلام الذين وردت أسماؤهم في الرسالة من شعراء وكتاب وقادة وفرسان وفلاسفة وأطباء بحيث لا يترك علمًا واحدًا دون أن يخصه بدراسة مستفيضة، ويرسم صلاح الدين الصفدي على منوال أستاذه ابن نباتة، فيعكف على رسالة أخرى لابن زيدون -الرسالة الجدية- ويصنع بها صنيع ابن نباتة بأختها.
وهكذا يكون المشارقة أول من اهتموا بالأدب الأندلسي دراسة وتدوينًا، وآخر من