بالسجع التي تتضمن الكثير من الموضوعات والمواقف، ففيها ما يمكن أن يسمى بأدب الرحلة، مثل رحلته في البر والبحر من المغرب إلى مصر، ووصف المراكب وسيرها على صفحة الماء، وتأرجحها على هامة الأمواج، وتمزقها من عاتية الرياح، وراكب البحر وما يسيطر عليه من خوف، ويتمثل بالبيت الشعري اللطيف:
ثلاثة ليس لها أمان ... البحر والسلطان والزمان
ويبدع أيما إبداع، ويحلق أيما تحليق، ويشف أيما شفافية، وهو يقترب من البيت العتيق، ويطوف حوله، ويتألق ويتشوق، ويتصوف، وهو يحبو إلى رحاب طيبة حيث مستقر الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم.
وحين يصل إلى مصر يصفها ونيلها وروضتها، ويردد شعرًا كثيرًا قيل فيها وفي نيلها ويستشهد بقول ابن ناهض فيها:
شاطئ مصر جنة ... ما مثلها في بلد
لا سيما مذ زخرفت ... بنيلها المطرد
وللرياح فوقه ... سوابغ من زرد
ويورد قول شاعر آخر في النيل:
انظر إلى النيل الذي ... ظهرت به آيات ربي
فكأنه في فيضه ... دمعي وفي الخفقان قلبي
وقول آخر في النيل وفيضانه المنتظم:
كأن النيل ذو فهم ولب ... لما يبدو لعين الناس منه
فيأتي حين حاجتهم إليه ... ويمضي حين يستغنون عنه
ومن مواقف اللوعة التي تتسم بها المقدمة وصف المؤلف لبلاده ووداعه لموطنه وارتحاله عن بلده بمقطوعات من الشعر العاطفي الوجداني، ومختارات رائعة لغيره من الشعراء في وصف الوطن والأسى لفقد ربوعه والحزن لفراقه الأهل والأحباب، واللوعة لمغادرة الديار بحيث جعل المقري من مقدمته الطويلة خزانة لفنون من أدب الرحلة وأدب الديار ومساجلات الأدباء ومطارحات الشعراء، وإن عابها بعض مواقف الإطالة وبعض أساليب الإطناب.
رابعًا: والكتاب في جملته مكتوب بأسلوب مشرق جذاب وإن كان يضم الكثير من الصنعة والعديد من الأسجاع، ولعله كان في ذلك يتشبه بأسلوب لسان الدين بن الخطيب، وينسم من خلاله شذاه ولكن الفرق بينهما بعيد.