للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والغريب أن ابن المقفع رغم أنه مدين للقرآن والحديث والإسلام إجمالًا بثقافته فإن المهدي العباسي١ يقول عنه: ما رأيت كتاب زندقة قط إلا وأصله ابن المقفع، بل هناك من يروي أن ابن المقفع كان إذا مر على بيت النار الخاص بالمجوس بعد أن أسلم تمثل بقول الأحوص بن محمد:

يا بيت عاتكة الذي أتعزل ... حذر العدا وبه الفؤاد موكل

إني لأمنحك الصدود وإنني ... قسما إليك مع الصدود لأميل

على أن الذي نهتم له الاهتمام كله في هذا المجال هو آثار ابن المقفع العلمية أو الأدبية. لقد قدم ابن المقفع ثلاثة أعمال أدبية وعملًا مترجمًا، فأما الأعمال الأدبية الثلاثة فهي:

١- كتاب الأدب الصغير: والقصد منه تهذيب النفس، وهو مشتمل على خطرات نفسه وأقوال حكيمة ونماذج أخلاقية، فمن الحكم التي ضمها هذا الكتاب قوله: أربعة أشياء لا يستقل منها: النار، المرض، العدو، الدين. ويغلب على الكتاب صفة الجمع أكثر من صفة التأليف.

٢- الأدب الكبير أو الدرة اليتيمة، وهو مجموعة أكبر من القول الحكيم، ومزاج من أمثال وأقوال وثقافات متعددة المنابع والمصادر بين فارسية ويونانية وإسلامية.

على أنه إذا كانت روح الحكمة تبدو واضحة في هذا الكتاب فإن الروح الدينية فيه وفي غيره نادرة إلى حد يجعلها منعدمة، الأمر الذي يجعل لاتهامه بالزندقة أصلًا وسببًا.

٣- رسالة الصحابة، وليس المقصود بالصحابة هنا كما قد يتبادر إلى بعض الأذهان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما الذي قصده ابن المقفع بالصحابة الأصحاب المقربون إلى الأمراء والخلفاء كالمستشارين والحجاب والوزارء والندمان والقواد ومن إليهم. والرسالة تشكل نقدًا لنظم الحكم وتوجيهًا له، وقد كتبها لبني العباس وأورد فيها وجهات مختلفة، ونصائح في شئون عديدة، مثل نصائح لولي الأمر في شأن الجند. ولعله لم يأت في ذلك بجديد إذا ما راجعنا رسالة أبي بكر إلى يزيد بن أبي سفيان حين وجهه لفتح الشام، الأمر الذي ينفي أن رسالة ابن المقفع مستمدة من أصول حضارية فارسية. وتشتمل الرسالة أيضًا على إصلاح القضاء وضرورة الاهتمام بأهل الشام والعطف عليهم، كما تناول قضايا الخراج وغير ذلك من قضايا الحكم والإدارة.

وابن المقفع في رسالة الصحابة هذه يعمد إلى تخريجات وتأويلات للمأثور من


١ أمالي المرتضى "١/ ١٢٦".

<<  <   >  >>