[ذكر عظم قدر النبي صلى الله عليه وسلم وعلو شأنه في وجوده الفعلي في السنة النبوية]
ثم في الصلاة والتسليم عليه جعلها الله قربة، وأثاب على الصلاة عليه مرة بعشر صلوات من الله، وهذا لا شك تعظيمٌ لقدره.
ومن صحيح الأخبار والآثار قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله اختار من الناس العرب، واختار من العرب كنانة، واختار من كنانة قريشاً، واختار من قريش بني هاشم، واختارني من بني هاشم، فأنا خيار من خيار من خيار).
وكذلك حفظ نسبه الشريف من أن يصيبه شيء من أوضار الجاهلية رغم طول الزمن وكثرة آبائه منذ آدم وحواء، وقد أفصح صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: (ولدت من نكاح لا سفاح فيه)، علماً بأنهم كانوا يتوسعون في مدلول النكاح كما جاء عن عروة عند البخاري رحمه الله وأبي داود أن عائشة رضي الله عنها أخبرته: أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أوجه: نكاح مثل نكاح الناس اليوم: بأن يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها.
ونكاح ثان: وكان الرجل فيه يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها: اغتسلي ثم اذهبي إلى فلان فاستبضعي منه، ويعتزلها زوجها ولا يمسها حتى يتبين حملها من ذلك الذي تستبضع منه، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد، فكان هذا النكاح يسمى نكاح الاستبضاع.
ونكاح ثالث: وفيه يجتمع الرهط دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم فيصيبونها، فإذا حملت ووضعت، ومرت ليال بعد أن تضع حملها، أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها، فتقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم، وقد ولدت، وهو ابنك يا فلان! فتسمي من أحبت باسمه فيلحق به ولدها، ولا يستطيع الرجل أن يمتنع منه.
ونكاح رابع: وهو نكاح البغايا.
فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم.
قال الشوكاني رحمه الله: وكان يوجد نكاح البدل يقول الرجل لآخر: انزل لي عن زوجتك وأنزل لك عن زوجتي، ونكاح الخدن: {وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النساء:٢٥] أي: ما استتر، ونكاح المتعة.
ونقول: وكذلك السبايا في إغارة بعضهم على بعض، كما قيل: وبنت كرام قد نكحنا وما لنا لها خاطب إلا السنان وعامله وعلى الرغم من توسع العرب في ذلك في زمنه صلى الله عليه وسلم إلا أنه لم يصب نسبه الشريف بواحد منها مع أن تلك الصور لم تكن معيبةً عندهم.
وجاء عن ابن عباس عند قوله: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:٢٣]: ما من قبيلة إلا وله فيها رحم.
وقال القاضي عياض في الشفاء ما نصه: وروي عن علي رضي الله تعالى عنه في قوله: {مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [الشورى:١١] قال: نسباً وقرابةً: قرابة الآباء، {وَصِهْرًا} [الفرقان:٥٤].
قال البيضاوي في قوله: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} [الفرقان:٥٤] أي: نسباً دون نسب، ذكور ينسب إليهم، وذوات صهر أي: إناث يصهر إليهن إلى قوله: (ليس في آبائه سفاح) ثم نقل عن ابن الكلبي قوله: عددت للنبي صلى الله عليه وسلم خمسمائة أم فما وجدت فيهنَّ سفاحاً ولا ما كان عليه أمر الجاهلية، وتعقبه القاضي في ذكره لهذا العدد بقوله: لعله أراد العمات والخالات وأراد الكثرة، وقال: إنما بينه وبين عدنان واحد وعشرون أباً إجماعاً، وبين عدنان وآدم ستة وعشرون أباً، فيكون بينه وبين آدم سبعة وأربعون أباً وسبع وأربعون أماً.