للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عظم قدر النبي صلى الله عليه وسلم في وجوده القدري من القرآن]

فمن الوجود القدري في كتاب الله على سبيل المثال الآتي: أولاً: قوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف:١٥٧]، فكونه مكتوباً عندهم في كتبهم، وبيان منهج رسالته من أمره، وتخصيص في التشريع دلالة قاطعة على وجوده القدري في رفعة شأنه وعلو قدره.

ثم إن هذا النص المنوه عنه والمأخوذ عليهم الميثاق به في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران:٨١]، فأخذ الميثاق عليهم وتوثيقه بإشهاد الله بعضهم على بعض، والله معهم من الشاهدين؛ دليل عظيم على قدره في عالم الملكوت والملائكة والأمم من قبل.

ثم إنه سبحانه قد عرّفهم إياه بشخصه كما يعرفون أبناءهم فقال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة:١٤٦]، وسأل عمر رضي الله تعالى عنه كعب الأحبار: ما هذه المعرفة التي عرفكم إياها الله بمحمد؟ فقال: والله يا عمر! إني لأعرفه أكثر مما أعرف ولدي؛ لأن معرفتي إياه عن طريق الوحي، أما معرفتي لولدي فعن طريق أمه، والنسوة يقترفن.

وجاء مصداق تلك المعرفة أن عيسى عليه السلام لما بشر به سماه باسمه: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} [الصف:٦]، فقد ذكره قبل مجيئه وسماه باسمه، فهذا أيضاً من أعظم الدلائل على علو شأنه وعظيم قدره.

وجاءت السنة توضح تطبيق الميثاق عليهم باتباعه في حق كل من موسى وعيسى عليهما السلام: أما موسى فقد جاء عمر بصحيفة من التوراة قد أعجبه ما فيها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألم آت بها بيضاء نقية يا ابن الخطاب؟ والله لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي).

وأما عيسى عليه السلام فسينزل آخر الزمان ويقتل الخنزير ويكسر الصليب ويحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم.

ومن أوضح الدلالة على عظيم قدره وعلو شأنه: أن الله تعالى عرفه وعرف أصحابه معه في كل من التوراة والإنجيل بالأمثلة المعبرة لكل من اليهود والنصارى في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا * مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح:٢٨ - ٢٩].

<<  <  ج: ص:  >  >>