[تفسير قوله تعالى: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله)]
ثم ذكر تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ} [النساء:٦٤]، أي: ولو أن هؤلاء المنافقين الذين وصفت صفتهم في هاتين الآيتين، وهم الذين دعوا إلى حكم الله وحكم رسوله فصدوا وأعرضوا؛ لو أنهم إذ ظلموا أنفسهم باكتسابهم الخطايا، لاحتكامهم إلى الطاغوت وإعراضهم عن كتاب الله وسنة رسوله إذا دعوا إليها.
ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك -يا محمد- حين فعلوا ما فعلوا من تحاكمهم إلى الطاغوت ورضائهم بحكمه دون حكمك، فجاءوك تائبين منيبين، فسألوا الله أن يصفح عنهم، وسأل الله لهم رسول الله مثل ذلك، وهذا معنى قوله: {فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} [النساء:٦٤].
نقل أبو حيان والفخر الرازي ما ملخصه: فائدة ضم استغفار الرسول إلى استغفارهم في قوله {فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} [النساء:٦٤] أنهم بتحاكمهم إلى الطاغوت خالفوا حكم الله وأساءوا إلى رسول الله، أي: بالإعراض عنه والصدود عنه، فوجب عليهم أن يعتذروا ويطلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم الاستغفار لحقه الخاص، أو لأنهم لما لم يرضوا بحكم رسول الله ظهر منهم التمرد، فإذا تابوا وجب أن يظهر منهم ما يخالف التمرد، وذلك بأن يذهبوا إلى الرسول ويطلبوا منه الاستغفار.
وقال الزمخشري في الكشاف: {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ} [النساء:٦٢] الآية، أي: بسبب التحاكم إلى غيرك، واتهامهم لك في الحكم، ولو أنهم جاءوك تائبين من النفاق متنصلين عما ارتكبوا، فاستغفروا الله، وبالغوا في الاعتذار إليك من إيذائك برد قضائك حتى انتصبت شفيعاً لهم.
ويقول أبو السعود: {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ} [النساء:٦٢] بظهور نفاقهم وبما قدمت أيديهم وبسبب ما عملوا من الجنايات التي من جملتها التحاكم إلى الطاغوت والإعراض عن حكمك، وظلموا أنفسهم بتركهم طاعتك، والتحاكم إلى غيرك، ولو أنهم جاءوك من غير تأخير متوسلين بك في التنصل من خيانتهم، ولم يعتذروا بالباطل، ولم يحلفوا كما قال الله: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} [النساء:٦٢]، وهذا إثم ومعصية، فكيف إذا أصابتهم مصيبة، مثل الرجل المنافق الذي لم يرض بحكم رسول الله فقتله عمر، والمعنى: فكيف بهم إذا أصابتهم مصيبة في قتل قريبهم بسبب تحاكمهم إلى غير رسول الله.
وفي قصة أن جبريل جاء -حينما طالبوا بدية القتيل- إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا محمد! إن عمر قد فرق بين الحق والباطل)، فسمي فاروقاً من ذلك الوقت.
هذه النصوص من كتب التفسير المعتبرة، التي تبين ما هي المصيبة التي أصابتهم، والتي تبين أنهم ظلموا أنفسهم في قضية التحاكم إلى غير رسول الله والإعراض والصدود عن رسول الله، فيكون مجيئهم إلى رسول الله لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذكر ابن كثير في تفسيره قصة، وقال: ذكر الشيخ السباط -ومن هو الشيخ السباط؟ - في كتابه الشامل، ولا يعرف كتابه هذا؟ وما هو سند هذه القصة؟ وهي لا يوجد لها ذكر في كتب السنة ودواوينها، ولا في كتب الفقه وأصوله، وقد بحث الإمام ابن تيمية رحمه الله عن هذه القصة، وأكد جازماً بأنها كذب موضوعة لا أصل لها.
والقصة مشهورة وهي: أن أعرابياً أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليسلم على يديه، فوجده قد توفي ودفن، فجلس عند قبره، وقال يا رسول الله! الله تعالى يقول: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ} [النساء:٦٤]، وقد جئتك ظالماً لنفسي فاستغفر لي، ثم ذهب، فقال العتبي: فأخذتني عيني بالنوم، فرأيت في نومي أن رسول الله يقول: أدرك الأعرابي وأخبره أن الله قد غفر له.
هذه قصة لا سند لها ولا أصل لها، ولا توجد في الكتب المعتبرة، والمنامات مهما كانت لا تؤخذ منها الأحكام، لا في المندوب، ولا في المفروض، ولا في المحرم، ولكنها من باب البشرى.
إذاً: قول هذا عند الزيارة لا أصل له، وأود أن الجميع قد فهم هذا البحث، والحكمة ضالة المؤمن يلتقطها أنى شاء، وقد قال صلى الله عليه وسلم عن الشيطان: (صدقك وهو كذوب) لما قال لـ أبي هريرة: إذا أردت أن تحفظ مالك من الشياطين فاقرأ آية الكرسي، فقبل الحكمة من الشيطان؛ لأنه صادق فيها.
فمن وجد هذه القصة في كتاب من كتب المسلمين سواء كانت أصول الفقه على مذاهب الأئمة الأربعة، أو كانت في كتب الحديث ولو الضعيفة، فليطلعنا عليها، وجزاه الله خيراً.
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.