للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفرق بين الحمد والثناء والشكر]

فالحمد: هو الثناء على المحمود لكمال ذاته وصفاته، ولو لم يصلك منه شيء، وليس هذا الحمد المطلق إلا لله؛ لأن كمال الذات خاص بالله سبحانه، وهو منزه عن النقص: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١]، ولهذا يقول العلماء: (ال) في قولك: (الحمد) للاستغراق، فاستغرقت جميع المحامد، وأضافتها لله سبحانه.

والثناء: هو امتداحك الشخص لحسن فعاله، هناك لكمال ذاته ولو لم يأتك ولا غيرك منه خير، ولو لم يصدر منه فعل، وهنا لحسن فعاله تثني عليه، فمثلاً: إنسان برز في مهمته واختصاصه، طبيب برع في مجال طبه وأجرى عمليات ناجحة، فسمعت به ولم تره، ولم يصنع لك شيئاً، فأنت تثني عليه لتفوقه؛ لأنه صدر منه للغير فعل حسن جميل، ولو لم يصلك من جميله شيء.

فمثلاً: نحن في هذا العصر نثني ونذم، نثني على غير المسلم لأنه اخترع ما ينفع الناس، فهذا الهاتف أنت في آسيا تخاطب شخصاً في أوروبا وكأنه وراء الحائط، فنثني عليه لأنه سهّل اتصال العالم، ويسر الكلام عن بعد.

ونذم من اخترع تفجير الذرة؛ لأنه سلاح فتاك، وإن كان قد يستعمل في الأغراض السلمية.

إذا جنح في جانب السلم أثنينا عليه، وإذا ذهب إلى التدمير العام ذممناه، ولهذا قالوا: جائزة نوبل تكفيراً عن ذنب.

أيضاً: من قام بإعادة إعمار الحرم المكي، ومن خطط لذلك من المهندسين؛ نثني عليهم.

وأما الشكر: فيكون لمن صنع لك معروفاً، ولو لم يصل لغيرك منه شيء، فمثلاً: مقاول اتفقت معه على بناء مسكن لك، ونصح في بنائه وأخلص في عمله وقدمه إليك على أحسن ما يكون، فتشكره على حسن صنيعه وعلى الوفاء بوعده معك.

عندك مريض أدخلته المستشفى، فجاء طبيب غير مسلم وعمل كما يقولون عندهم: بشرف المهنة؛ لأن الأطباء يعترفون بأن مهنة الطب شريفة وهي إنسانية وليست إقليمية ولا تعصبية، فالطبيب يعالج خصمه وعدوه كما يعالج صديقه، هذا مبدأ الطب، إلا إذا غير في مبدأه.

فإذا قدمت طفلاً أو شخصاً آخر إلى المستشفى وتولى طبيب علاجه وأحسن معه وتماثل للشفاء، فيكون قد أسدى إليك معروفاً تشكره عليه، فإذا ما قلت لهذا الذي استحق عليك الشكر: جزاك الله خيراً، فقد أضعفت المثوبة والجزاء؛ لأنه إذا تولى الله جزاءه بالخير لا يكون مثل ما تعطيه حفنة تمر أو مائة ريال؛ لأن هذا القول يجعل الجزاء من الله، فيتولى الله جزاءه بالخير على هذا الفعل، وسيكون عطاء جزلاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>