للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولاً: أفعاله قبل البعثة

إن مظاهر عظيم قدره صلى الله عليه وسلم في أفعاله موجود منه صلى الله عليه وسلم فيما قبل البعثة وبعدها: أما قبل البعثة ففي قضية زيد بن حارثة عندما اختطف من أمه في الطريق وبيع في مكة، فاشتراه حكيم بن حزام وأهداه إلى خديجة رضي الله تعالى عنها، فأهدته إلى رسول الله ليخدمه.

وكان أبوه يسأل الركبان ويتقصى عن مصير ولده، حتى علم أنه عند محمد في مكة، فجاء ومعه عم زيد ومعه الفداء، وأتى إلى محمد بن عبد الله وقال: (يا محمد! علمت أنك رحيم كريم، وأنك لا ترد سائلاً، وإن ابني عندك، وقد جئتك بفدائه، فأرجو أن تقبل منا الفداء وأن تعطينا ولدنا، فقال له محمد: أو غير ذلك؟ قال: وما هو؟ قال: أن أدعوه وأخيّره بيني وبينكم، فإن اختاركم فهو لكم بدون فداء، وإن اختارني فما أنا بمفادٍ من يختارني على أهله، قال: والله لقد أنصفتنا.

فاستدعاه وقال له: يا زيد! أتعرف هذين؟ قال: نعم هذا أبي وهذا عمي، قال: قد جاءا بفدائك وقد قلت لهما كذا وكذا، فاختر من شئت يا زيد! قال: والله! لا أختار عليك أحداً سواك أبداً، فقال أبوه: ويحك يا زيد! أتختار الغربة والرق على الأهل والحرية؟ قال: نعم، ومالي لا أختار ذلك، فوالله! مذ صحبته ما قال لي في شيء فعلتُه: لم فعلتَ، ولا لشيء لم أفعله: لم لم تفعله).

هناك يئس أبوه من عودته، واطمأن على أن ولده يعيش حياة سعيدة، فما كان من رسول الله إلا أخذ زيداً وطاف به على الكعبة وقال: (زيد ابني) فتبناه، وكان التبني سائداً في الجاهلية، فقرت عين أبيه وتركه عند محمد ورجع إلى بلده.

إن حسن معاملته لخادمه وذلك قبل شرف البعثة، لدليل قاطع على علو قدره وعظيم شأنه صلى الله عليه وسلم، وكان زيد ولا يزال حِبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن ذلك: قضية الحجر الأسود، لما أرادوا إعادة بناء الكعبة وقسموا جهاتها الأربع على القبائل، وبدأت كل قبيلة تبني حصتها، فلما ارتفع البناء إلى مستوى الحجر الأسود، توقفوا في من يحظى بشرف وضع الحجر الأسود مكانه؟ وتنافسوا وتنازعوا، حتى أحضروا الدم وغمسوا أيديهم إيذاناً بالقتال، لكن رحمهم الله بقول القائل: علام يقتل بعضنا بعضاً؟ فلنحكم أول من يخرج علينا من هذا الفج! وانتظروا فإذا أول من خرج عليهم محمد بن عبد الله، فنطقوا بصوت واحد بكلمة واحدة: الأمين الأمين ارتضيناه، فلما قصوا عليه القصة قال: نعم، فأخذ رداءه عن كتفيه وبسطه في الأرض وأخذ الحجر بيديه الكريمتين، ووضعه وسط الرداء، وقال: لتأخذ كل قبيلة بطرف من الرداء، واشتركوا جميعاً في رفعه إلى مستواه، ثم أخذه صلى الله عليه وسلم بيديه ووضعه مكانه، فحاز الشرف الذي تنافسوا فيه وكادوا عليه يقتتلون، وأرضى الجميع.

وقضية بلغ اهتمامهم فيها حد الاقتتال عليها، يرتضون لها ويأتمنون عليها محمد بن عبد الله، لأكبر دليل على علو شأنه وعظيم قدره، وفعلاً لقد أنهى الخلاف بينهم بأمانة وأرضى الجميع فيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>