ذكرنا تقسيم الجيران، وذكرنا درء المفاسد عن الجار، والآن نذكر جلب المصالح إليه: جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يا نساء المؤمنات! لا تحقرن جارة جارتها ولو فرسن شاة) وفي رواية: (ولو بظلف محرق)، وهي التي يسمونها الآن مقادم، أي: لا تحتقر الجارة أن تهدي لجارتها ولو رجل شاة محرقة الشعر، والآن لا أحد يقبل هذا، بل يستحي أن يقدم له حتى ربع شاة، لكن المراد: أن الإنسان لا يحتقر أي معروف مع جاره.
وقال عليه الصلاة والسلام لـ أبي ذر:(إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك) وهذا كان موجوداً في القديم، وإخواننا الكبار يذكرون هذا، أما الآن فلا أحد يقبل من الثاني مثل هذا الشيء، ولكن المراد: ولو كان الشيء قليلاً فتعهد به جيرانك.
ثم نأتي إلى حفظ حقوق الجار، ودفع السوء عنه، وجلب النفع له، ومراعاة شعوره، وهذا من مكارم الأخلاق، وجاء في بعض الآثار في بيان حقوق الجار:(إذا اشتريت فاكهةً فاهد له، وإلا فأدخلها سراً، ولا تترك أولادك يخرجون بها يغيضون أولاده)، فهذه محافظة على نفسيته.
فأنت إذا وسّع الله عليك تستطيع أن تأتي بالفاكهة، وهو لا يستطيع أن يأتي بها، فلا تجعل أولادك يتفكهون أمام أولاد الجيران، وهم ينظرون إليهم، لو كنت مكانه ونظرت إلى ولدك وهو يحدق النظر إلى ولد الجار، وهو يأكل الفاكهة التي حرم هو منها؛ ماذا سيكون إحساسك مع ولدك؟ وكيف لو نظر ولدك إليك في تلك اللحظة؟ فكأنه بنظراته يقول: أعطني واشتر لي يا أبي! وأنت لا تستطيع.
فمن مكارم الأخلاق المحافظة على شعور الجار وأولاده، فإذا اشتريت فاكهة لأهلك فأدخلها سراً، ولا تدع ولدك يخرج بها فيسيء إلى ولد الجار ويحزنه.
وبعد هذا نستطيع أن نقول: يتحقق القيام بحقوق الجار بجلب النفع إليه، ودفع الضر عنه، ومعاملته بمكارم الأخلاق.
وقد روى في تعيين بعض حقوق الجار حديث فيه:(من أغلق بابه دون جاره مخافة على أهله وماله فليس الجار بمؤمن)، أي: إذا كان الجار يخشى من جاره على أهله أو على ماله فله أن يغلق الباب مخافة من الجار، مثل اللص الذي قد يأتي من بعيد، وإذا خاف ذلك من الجار، فهذا الجار ليس بمؤمن.