[كراهة النذر المشروط]
قال المصنف رحمه الله: [وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه نهى عن النذر وقال: إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل) متفق عليه].
القرآن ينص على النذر، والسنة تنص على النذر، والرسول يقرر الكثيرين على النذر، وفي هذا الحديث نهى عن النذر، فهذا النهي نحمله على التحريم أم على الكراهة؟ على الكراهة؛ لأن الأصل الإباحة، والأصل الجواز، فإذا جاء النهي عن الجائز فيبقى النهي للكراهة، لأن الإنسان قد يمد في نذره ثم يعجز عنه.
ثم ما قيمة النذر في حياتك؟ هل قولك: لله عليّ نذر إن شفى الله مريضي أن أفعل كذا، فهل سيشفيه من أجل أن تفعل؟! إذا قلت: إن شفى الله مريضي ذبحت شاة، فإذا كان الله قد قدر وفاته، فهل قولك هذا سيجعل الله سبحانه وتعالى يشافيه؟! النذر لا يأتي بخير، ولكن قد يصادف نذرك إرادة الله فيقع ما طلبت، الله يريد الشفاء ذبحت أو لم تذبح، فقد قضى الله أنه يشفيه، حتى لو لم تنذر أن تذبح الشاة، إذا نذرت إن شفى الله مريضك أن تذبح شاة، والحال أن الله قدر شفاءه، فإنك لو لم تقدم النذر هل ستذبح الشاة؟ لا.
إذاً: النذر لا يغير إرادة الله، ولا يقدر على جلب ما لم يرده الله.
إذاً: فما الفائدة منه؟ (يستخرج من البخيل) لو قيل له: اذبح أرنباً أو اذبح دجاجة يقول: لا، لكن بالنذر استخرجنا منه شاة، وهذا نهي عن المباح، فهو نهي تنزيه لئلا يقع الإنسان فيما لا يقدر عليه أو يعجز عنه.
قال رحمه الله: [وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كفارة النذر كفارة يمين) رواه مسلم، وزاد الترمذي فيه: (إذا لم يسم)].
أي: فإن أطلق النذر ولم يعلقه بشيء فكفارته كفارة يمين، ومفهوم المخالفة من قولنا: (ما لم يعلقه بشيء) أنه إن علقه يكون حكمه حكم النذر المسمى، وعليه أن يأتي بما سماه إن كان في استطاعته، والعلماء يقولون: لا نذر في مستحيل، ولا في معصية.
معنى: (لا نذر في مستحيل ولا في واجب في أصل الشرع) أنه لو قال: لله علي أن أصوم يوم الخميس الأخير من الشهر الماضي، هل يمكن صومه؟ لا، فلا نذر في مستحيل.
وإذا قال: لله علي نذر أن أصوم رمضان الآتي إن أحياني الله!! وهل صوم رمضان متوقف على النذر أو مفروض في أصل الشرع على الناذر وغير الناذر؟ إذاً لا ينعقد هذا النذر؛ لأنه في واجب في الشرع.
إذاً: لا نذر في مستحيل ولا في واجب في الشرع، ولا فيما لا يملك، كأن يقول: لله علي نذر إن شفى الله ولدي أن أعتق عبد فلان، لكنه ليس ملكه، وبعضهم يقول: ينعقد، وعليه أن يشتري عبد فلان ويعتقه.
ومن مباحث نذر المعصية أنه لو نذر صوم يوم العيد، فصوم يوم العيد محرم والجمهور أنه لا ينعقد، والإمام أبو حنيفة يقول: ينعقد، ولكن يخرج منه بكفارة يمين؛ لأنه ممنوع من صومه، فإذا كان ممنوعاً من صومه فلا يذهب نذره بدون شيء، بل عليه كفارة يمين، وهناك من يقول: لا كفارة عليه ولكن يقضي يوماً مكانه، والله تعالى أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم.