[الظهار وكفارته]
تقدم لنا أن الظهار هو تشبيه الرجل زوجته بظهر أمه، وكان هذا معروفاً في الجاهلية، وكانوا يعتبرونه طلاقاً، يقول الرجل لامرأته: أنت عليّ كظهر أمي، أي: في المحرمية، وتصبح امرأته حراماً عليه لا يصح له أن يطأها، وهذا معروف عند الجميع.
وجاءت قضية خولة مع زوجها أوس بن الصامت الذي نزل في شأنها وشأنه سورة المجادلة: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة:١ - ٢]، إلى آخر السياق.
تقول خولة: كنت تحت ابن عمي أوس بن الصامت، وكان رجلاً كبيراً فيه غضب، فغضب مرةً ثم قال: أنت عليّ كظهر أمي.
فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال: (ما أراكِ إلا حرمت عليه)، فتجادلت مع النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: يا رسول الله ما ذكر طلاقا، ويقول لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أراك إلا حرمت عليه)، إلى آخره، فأنزل الله سبحانه وتعالى آية الظهار.
وفي هذا تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها: سبحان الذي وسع سمعه الأصوات! هذه خولة تجادل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا معها في الغرفة، أسمع بعض حديثها ويخفى عليّ بعضه، والله يسمعه من فوق سبع سماوات.
هذا مبدأ الظهار في الإسلام، فجعل الله سبحانه وتعالى على الذين يعودون لما قالوا: تحرير رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً.
فأما الحديث الأول: قال: وعن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رجلاً ظاهر من امرأته ثم وقع عليها، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني وقعت عليها قبل أن أكفر، قال: فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله به).
ولكن جاءت قصة سلمة بن صخر قال: (كنت رجلاً قد أوتيت من جماع النساء مالم يؤت غيري -أي كان به نهم على الجماع- فلما دخل رمضان تظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ رمضان فرقاً من أن أصيب منها في ليلتي، فأتتابع في ذلك إلى أن يدركني النهار وأنا لا أقدر أن أنزع، فبينما هي تخدمني ذات ليلة إذ تكشف لي منها شيء فوثبت عليها، فلما أصبحت غدوت على قومي فأخبرتهم خبري فقلت: انطلقوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بأمري، فقالوا: لا والله لا نفعل! نتخوف أن ينزل فينا قرآن، أو يقول فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالة يبقى علينا عارها، ولكن اذهب أنت فاصنع ما بدا لك.
قال: فخرجت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبري، فقال: أنت بذاك؟ قلت: أنا بذاك، قال: أنت بذاك؟ قلت: أنا بذاك، قال: أنت بذاك؟ قلت: أنا بذاك، وهأنذا فامض في حكم الله فإني صابر لذلك.
قال: أعتق رقبة، قال: فضربت صفحة عنقي بيدي، فقلت: لا والذي بعثك بالحق لا أملك غيرها، قال: صم شهرين متتابعين، قلت: يا رسول الله! وهل أصابني ما أصابني إلا في الصيام، قال: فأطعم ستين مسكيناً، قلت: والذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا هذه مالنا عشاء).
فلما عرف للنبي صلى الله عليه وسلم من حاله أنه لا يملك رقبة، ولا يستطيع صيام شهرين متتابعين، ولا يجد ما يطعم ستين مسكيناً، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق فقل له فليدفعها إليك، فأطعم عنك منها وسقا ستين مسكيناً، ثم استعن بسائره عليك وعلى عيالك).
والمعنى: أنها أكثر من المطلوب.