للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[اجتهاد عمر رضي الله عنه بعدم قسمة الأراضي المغنومة]

ومن الموارد: الخراج، والعشر، والخراج مختص بالأرض المزروعة، ولا علاقة له بالأشخاص، والجزية مختصة بالرقاب والأشخاص ولا علاقة لها بالأراضي.

وقد تقدم أن عمر رضي الله تعالى عنه أوقف قسمة الأراضي المغنومة على الغانمين، ولما عارضه بلال وابن الزبير وقالا له: اقسم علينا كما قسم رسول الله خيبر وبني النضير، قال: إن الرسول فتح مكة ولم يقسمها.

وقال: إنني رأيت رأياً وأستشيركم فيه، إننا لو قسمنا كل ما فتحه المسلمون على الغازين، فسيأتي وقت ويأتي أجيال فيما بعد فلا يجدون من الغنائم شيئاً، وإننا في الوقت الحاضر في حاجة إلى المال بصفة مستمرة للمصالح العامة، لنمون الثغور، ونجهز الجيوش، ونطعم الأيتام والأرامل والمحتاجين، فمن أين نأتي بالمال لهذا كله إذا كنا نقسم كل قرية فتحت على الغانمين؟ ولو فعلنا ذلك لم يبق عندنا شيء، فإني أرى أن نقسم ما كان منقولاً من الثياب والأموال والحيوانات على الغانمين قسمة غنيمة، ونبقي الأرض ونجعل عليها خراجاً لمن هي تحت أيديهم.

وهذا الخراج بمعنى أجرة، جزية، جُعل، غرامة، وكل هذا يقول به بعض العلماء، وإذا جئنا إلى استعمال القرآن لكلمة خراج أو خرج لوجدنا أنها تدور بين الجُعل وبين الإجارة، كما في قصة أصحاب السد: {فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} [الكهف:٩٤] فـ (خرجاً) هنا بمعنى: أجرة على هذا العمل، وبعضهم يقول: إن هذا الخراج الذي فرض على الأراضي أجرة تؤخذ ممن هي تحت أيديهم.

وكيف يقدر الخراج على الأراضي المختلفة في النتاج والغلة؟ قالوا: أرسل عمر رضي الله تعالى عنه خبيراً، فجعل على النخل ثمانين درهماً، والعنب ستين درهماً، وما عداهما من الأرض البيضاء والحبوب والخضروات عشرين درهماً، أي أنه وضع نسباً مختلفة لأرض النخيل ولأرض الأعناب، وعلى الأرض البيضاء كذلك.

قيل: وجعل الخراج على الأرض البيضاء والسوداء أيضاً، والبيضاء هي: التي لم تزرع، والسوداء هي: المزروعة المسودة بخضرة الزرع الذي هو فيها، قيل: جعل الخراج على السوداء والبيضاء ليهتم أصحاب القرية بإحياء الموات، ولا يبقى بياض في الأرض.

وهناك من يقول: إنما جعل الخراج على الأراضي السوداء التي تنتج، وترك الأرض البيضاء لولي الأمر ليمنح منها، ويقطع الإقطاع منها لمن يريد، أو تركها لمن يحيي مواتاً منها فهي له، وهكذا كان الخراج على الأرض تختلف النسبة فيه بنوع الثمرة والغلة، فعلى النخيل أكثر مما على العنب، وعلى العنب أكثر مما على الخضروات.

<<  <  ج: ص:  >  >>