للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قتال الملائكة مع النبي صلى الله عليه وسلم]

وخبر الملائكة في غزوة بدر خبر طويل، ولم نعرّج عليه، وقد نوّه القرآن الكريم بأمره، وجاء الواقع المشاهد يصف حالهم، فبيّن الله سبحانه وتعالى بقوله: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إلى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [الأنفال:١٢]، وكان يقول والدنا الشيخ الأمين رحمة الله تعالى عليه: علمهم الله تعاليم ميدانية، ما كانوا يعرفون القتال من قبل؛ ولأن الملائكة لم تقاتل في معركة قبل معركة بدر.

وقوله تعالى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال:١٢] قال: الضرب فوق الأعناق للقتل، والضرب فوق البنان -وهي الأصابع- لتعطيل الحركة.

وهذا نص قرآني كريم بأن الله بعث الملائكة تثبت الذين آمنوا وتشارك بالقتال معهم، وجاءت الآية الأخرى في معرض التأييد: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [فصلت:٣٠ - ٣١]، ومن تلك الموالاة في الحياة الدنيا أن يأتوا عوناً ومدداً ونصرةً للمسلمين في غزوهم.

وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما قام في العريش، واجتهد يدعو ربه ضارعاً يستنصره، أخذته إغفاءة فانتبه متبسماً، وقال: (أبشر يا أبا بكر! هذا جبريل في ألف من الملائكة قد أقبل).

وأخبار أخرى، يقول رجل من الأنصار وكان قد ذهب بصره -نسيت اسمه-: لو كنت في بدر ورد عليّ بصري لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة.

ويقول آخر: خرجت أنا وابن عم لي يوم بدر -وهم آنذاك على شركهم- فجلسنا على كثيب، ننظر لمن تكون الدائرة فننهب من الغنائم، وبينما نحن على تلك الحال، إذ جاءت غمامة، وسمعنا فيها من يقول: أقدم حيزوم، أما صاحبي فقد تصدع صدره فمات، أما أنا فقد غشي عليّ، فلما أفقت وجدت المعركة قد انتهت والغنائم في أيدي أصحابها.

هذا ومن آثار الملائكة في المعركة أن الرجل كان يسعى وراء المشرك ليضرب عنقه، فإذا به يرى الرأس قد انفصل عن سائر الجسد، والرسول صلى الله عليه وسلم قال لهم: (علامة قتلى الملائكة وقتلاكم أنكم تجدون في أثر الضربة كأنه وسم بنار)، وهكذا ميّز النبي صلى الله عليه وسلم ما كان من إصابة المسلمين وما كان من إصابة الملائكة، وأنهم فعلاً قاتلوا وضربوا وقتلوا.

وجاء رجل فوجد أسيراً موثقاً فوقف وقال: (أسير من هذا؟! من الذي أسر هذا؟! فلم يجبه أحد، ففك وثاقه وذهب به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: وجدته موثقاً وناديت فلم يعرفه أحد، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: من أسرك؟ قال: رجل طوال بثياب بيض على فرس أبلق، قال: صدقت، هذا من ملائكة السماء الثالثة)، إلى غير ذلك من الأخبار التي وردت تدل بواقعها على أن الله سبحانه وتعالى أرسل الملائكة نصرة للمسلمين.

وهنا نقول: إن المولى سبحانه هو الذي أخرج رسوله من بيته بالحق، وهو الذي تولى أمره، وهو الذي أيده بنصره، وسخر العوامل من أرض وسماء، ومن جنود المسلمين والملائكة، لنصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم

<<  <  ج: ص:  >  >>