للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بنو إسرائيل ومفاضلتهم بين الشريف والوضيع في الحكم:]

وقد سُجل لنا في بني إسرائيل كما جاء في الحديث: (كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد).

ولما جاءت قضية الزانية والزاني اليهوديين، فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهم، لأنهم قالوا فيما بينهم: امضوا إلى محمد لعلكم تجدون عنده أهون وأسهل مما عندكم، فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم سألهم عما في كتابهم، فقالوا: إن عندنا في التوراة أن نسخم وجوههما ونرسلهما على حمار مقلوبين ونطوف بهما ونشهر.

فقال: هذا حكمها؟ قالوا: بلى، فقال شاب حاذق: لا والله أخبروا رسول الله عن الحقيقة، والله إن فيها الرجم، فلما جيء بالتوراة أخذ القارئ يقرأ من موضع آخر ووضع يده على نص الرجم، وقرأ ما قبله وما بعده، فقال عبد الله بن سلام: ارفع يدك؛ فرفع يده فإذا فيها نص الرجم، فقال: سبحان الله! ما الذي حملكم على هذا؟ قالوا: لقد فشا الزنا في بني إسرائيل -النساء جميلات، والرجال متوفرو الشهوة، والاختلاط موجود- وكثر القتل فيهم بسبب ذلك عند الرجم، فقالوا: لو استمر الرجم على ذلك لقتل أشراف بني إسرائيل، فهلم نجتمع على رأي نطبقه على الصغير والكبير، على الشريف والوضيع، فاتفق رأيهم أنهم يسخمون وجوههم، أي: يسودونها بالفحم، ويركبونهم على دابة، ووجوهما إلى قفاها، ويطوفون بهما في الطرقات معلنين أن هؤلاء زناة، ثم حكم صلى الله عليه وسلم بالرجم.

وهل حكم بالرجم على ما يوجد في التوراة لأهل التوراة، أو حكم بالرجم على ما في كتاب الله؟ قال تعالى: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ} [المائدة:٤٨].

كذلك قضية العسيف والرجل اللذين أتيا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقضيتهم في الموطأ مطولة فقال الرجل: (إن ابني كان عسيفاً عند هذا فزنى بامرأته، وإني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله)، ثم قضى بينهما أن على ولده -أي: العسيف- جلد مائة لأنه أعزب، ولم يكن أُحصن، فقال: (الوليدة والغنم رَد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها).

الكلام على إثبات موضوع الرجم هذا محله غير هذا المكان، وهو أمر مفروغ منه، وبإجماع جميع الملل أو النحل السماوية، فإن الزنا محرم وفيه الرجم.

<<  <  ج: ص:  >  >>