للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[أقسام النذر]

واستخلص العلماء من مجموع الأحاديث الواردة في باب النذر أقسامه، قال ابن قدامة رحمه الله في المغني: النذر خمسة أقسام: الأول: نذر مطلق أي: لم يذكر فيه المنذور، يقول: لله عليّ نذر، ولم يسم هذا النذر، فهذا نذر مطلق عن تسمية المنذور.

الثاني: نذر لجاج، وهو قول الإنسان في الخصومة والغضب: لله علي نذر كذا، إذا تخاصم مع إنسان ولج معه في الخصومة وغضب قال: إن كلمتك فلله علي أن أحبو في الشارع، فهذا نذر غضب، ونذر لجاج، واللجاج هو المخاصمة.

الثالث: نذر مباح، يقول: لله عليّ أن ألبس ثوبي، أو أركب دابتي.

الرابع: نذر معصية.

الخامس: نذر تبرر، أي: فعل البر.

النذر المطلق هو الذي لم يعين فيه ما هو المنذور، ترك أن يسمي شيئاً مخافة أن يعجز عن الوفاء به مثلاً، فكفارته كفارة يمين.

نذر اللجاج هو مخير فيه بين أن يأتي بنذره على ما فيه من مشقة وثقل، وبين أن يخرج منه بكفارة؛ لأنه خرج في ساعة الغضب وفي خصومة.

النذر المباح كذلك، إن شاء فعل الأمر المباح، وإن شاء أعرض عنه وعليه كفارة.

نذر المعصية يحرم الوفاء به، وهل عليه كفارة أم لا؟ يرجع هذا إلى مسألة نذر المعصية هل ينعقد أو لا ينعقد؟ فقد جاء في الحديث كما تقدم: (مره فليتكلم وليستظل وليقعد، وليتم صومه) وجاء الحديث الصريح: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) وقوله: (فلا يعصه) هل انعقد النذر وانحل بكفارة أم لم ينعقد فلا كفارة فيه؟ اختلفت وجهة النظر عند العلماء، فقيل: إنه لم ينعقد أصلاً، وقيل: انعقد وعليه كفارة يمين، وهناك بعض التفصيلات والتفريعات التي تدخل في هذا، وكل مباحث النذر ترجع إلى هذه الأمور.

إذا نذر مكروهاً فلا ينبغي أن يأتي به، كما لو نذر بطلاق زوجته، فالطلاق مكروه، فلا يفي به، ويخرج منه بكفارة.

نذر التبرر هو نذر عبادة، يقول مثلاً: لله عليّ أن أصوم يوماً، هذا النذر إما أن يكون خالياً عن الشرط، ابتداءً من نفسه، مثلاً كان كسلان عن الصيام، يرى الناس يصومون الإثنين والخميس والأيام البيض وكذا وكذا، وهو لا يصوم، فيقول: لله علي نذر أن أصوم يوم الإثنين، فهذا نذر تبرر مطلق عن شرط، فعليه أن يأتي به إلا إذا عجز فينتقل إلى الكفارة.

وإما أن يكون مشروطاً، يقول مثلاً: لله علي نذر إن شفى الله مريضي أن أصوم عشرة أيام، فهذا نذر تبرر بصيام عشرة أيام لكنه مشروط بشرط، فكأنه معاوضة بيع وشراء، فإن أعطاه الله ما اشترطه عليه وفى بنذره، وإذا لم يعطه الله ما شرط كان في حل؛ لأن المشروط لم يحصل، وليس عليه كفارة وليس عليه أي شيء.

هذه أقسام النذر فيما يتعلق بالمنذور، والأحاديث التي ساقها المؤلف رحمه الله كلها تدور حول هذه النقاط وحول هذه المباحث، إلا أن تفريعات الفقهاء واستنتاجاتهم وسعت الباب إلى حد بعيد، فمثلاً عند نذر المعصية قالوا: لو نذر أن يذبح ولده، كما نذر عبد المطلب أن يذبح ولده، فماذا يفعل؟ لأن ذبح الولد معصية! قالوا: يكفر بذبح شاة: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات:١٠٧]، وعبد المطلب نحر مائة بدنة كما حكمت الكاهنة في فداء عبد الله بعشرة إبل ثم عشرة عشرة حتى بلغت المائة، فكانت هي الدية عند العرب، ثم جاء الإسلام فأقرها.

فإذا نذر أن يتبرع بجميع ماله، فيتصدق بالثلث، كما في حديث أبي لبابة لما وقع منه ما وقع، وجاء وربط نفسه في سارية المسجد وجعل على نفسه إن تاب الله عليه أن يخرج من ماله كله في سبيل الله، فقال له صلى الله عليه وسلم: (يكفيك الثلث، تصدق بالثلث والثلث كثير).

ومن العلماء من يقول: إن عين ألفاً فعليه الوفاء، وإن كان مائة ألف أو شيئاً كثيراً يعجز عنه فكفارة.

وتوسعوا في الجزئيات في باب النذر وفرعوا على ما تقدم من الأقسام الخمسة.

هذا مجمل مباحث النذر، وسنمر على الأحاديث التي ساقها المؤلف رحمه الله لنطبق هذه المبادئ وهذه الأقسام على تلك النصوص إن شاء الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>