فالقيام بحقوق الجار من مكارم الأخلاق، وقد كان العرب في جاهليتهم يحفظون حق الجار، وهذه الأبيات ساقها ابن عبد البر وغيره في كتب التاريخ تبين ذلك، فهذا عمرو بن الأطنابة -وكان من ملوك المدينة قديماً- يقول: إني من الذين إذا انتدو بدءوا بحق الله ثم النائل المانعين من الخنا جاراتهم والحاشدين على طعام النازل فمحل الشاهد قوله: المانعين من الخنا جاراتهم وكان يقول: أنتِ أختي وأنت حرمة جاري وحقيق عليَّ حفظ الجوار إن للجار إن تغيّب غيباً حافظاً للمغيب والأسرار ما أبالي أكان للباب ستر أم بقي بغير ستار يعني: أنا لا أنظر إلى حرمة جاري، ولو كان الباب بغير ستر! وقال: بشار بن بشر المجاشعي: وإني لعف عن زيارة جارتي وإني لشنوء لدى اغتيابها يعني: إذا غاب زوجها فأنا أبتعد عنها.
إذا غاب عني بعلها لم أكن لها زوّاراً ولم تأنس إليَّ كلابها أي: لا أكثر التردد عليها حتى تألفني كلاب بيتها.
ولم أك طلابّاً أحاديث سرها ولا عالماً من أي جنس ثيابها يعني: حتى لو تظهر ثيابها، فإني لا أعرفها من أي جنس هي.
وقال الآخر: أقول لجاري إذ أتاني معاتباً مدلاً بحق أو مدلاً بباطل إذا لم يصل خيري وأنت مجاور إليك فما شري إليك بواصل وذكر ابن عبد البر القصيدة التي سمعها مالك بن أنس فقال: حفظوها أبناءكم، وهي قول الشاعر: ناري ونار الجار واحدة وإليه قبلي تنزل القدر ما ضر جاراً لي أجاوره ألا يكون لبيته ستر أعمى إذا ما جارتي برزت حتى يواري جارتي الجدر