ومالك ومن وافقه يقول: يقع اللعان بين كل زوجين مسلمين، أو ذميين، أو أحدهما مسلم والآخر ذمي، فاسقين أو عدلين، حرين أو مملوكين، فكل زوجين يصح منهما اللعان.
والسبب في هذا الخلاف كما يقول ابن رشد في بداية المجتهد: هل أيمان اللعان أيمان، أو هي شهادات؟ فإن كانت أيماناً فاليمين يصح من الحر ومن العبد، وإن كانت شهادات فالشهادة لا تصح من العبد، فليس للعبد ملاعنة، وهذه تفصيلات فيمن يصح منه اللعان.
إذاً: اللعان مبدئياً ثابت بالكتاب والسنة، وموجبه أن الأصل في رمي النساء المؤمنات المحصنات بالزنا أحد أمرين، فإما أن يأتي الرامي بأربعة شهود على صدقه، وإلا يثبت عليه حد القذف.
وهذا في الأجنبي مع الأجنبية، ولكن في الزوجين كما قال عويمر في بعض الروايات، وكما قال سعد رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله أمهله حتى أذهب وآتي بأربعة شهداء؟! يكون لكع قد قضى حاجته ومضى، والله لأضربن -أي: بسيفي- بين الفخذين، فقال صلى الله عليه وسلم (أتعجبون من غيرة سعد؟ فوالله لأنا أغير منه والله أغير مني).
فهنا كما يقال: العقل والعاطفة، العاطفة تنجلي حينما يرى الزوج إنساناً أجنبياً يغشى زوجته، فإذا كان في هذه الحالة لا يتمالك، ولا يصبر ولا يقوى على ذلك إلا فحول الرجال، فهنا العقل في جانب، والعاطفة في جانب آخر، العقل يقول: تريث، وأثبت هذه الواقعة وأحضر الشهود، لأنك إن قتلته قتلت به، ولذا لما سأل رجل علياً رضي الله تعالى عنه قال: أتركه وآتي بأربعة شهود؟ قال: بلى، قال: وإن قتلته؟ قال: قتلناك.
وهذا أيها الإخوة سد للذريعة، بمعنى: أنه لا يتسلط الناس بعضهم على بعض، وأن يكون كل من أراد أن يقتل إنساناً، يحتال عليه ويأتي به إلى بيته، ثم يحتال أيضاً على زوجته وهي لا تعلم، ثم يلفق بينهما لقاء فيقتله فيقول: وجدته مع امرأتي، فتضيع الدماء.
الذي يهمنا: أن الإسلام احتاط للدماء، واحتاط أيضاً للفروج، فإذا ابتلي إنسان بمثل هذه الصورة، فماذا يفعل؟ بين لنا هذا الصحابي الجليل تفصيل الأمر: إن سكت سكت على أمر عظيم، وإن تكلم حد ظهره، وإن قتل قُتل، فلما قال له رسول الله: بينة وإلا حد في ظهرك، قال: والذي بعثك بالحق يا رسول الله إني لصادق ما كذبت عليها، وإن الله لمنزل عليك ما يبرأ ظهري من الحد؛ فأنزل الله سبحانه وتعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ}[النور:٦] والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين