[شروط جواز الجعل للمتسابقين]
فإذا كان نوع الخيل واحداً، والمسافة محددة في كل عقد مع الجنس، فهنا تبقى عملية السبق بينهما إذا جعل أحدهما الجُعل للسابق ولم يدفع الثاني شيئاً، فنفترض أن السبق بين اثنين، فالمال الذي يدفع جائزة للسابق، من أين يأتي؟ إن كان من واحد منهما على أن من سبق منهما أخذه، فلا مانع، فإن سبق الدافع استرجع حقه، وإن سبق الآخر أخذه.
أما إذا دفع كل منهما جزءاً، وقالا: الجميع لمن يسبق، فلا يجوز؛ لأنه قمار! وإذا جاء ثالث غيرهما وقال: تسابقا فمن سبق منكما فجائزته عليَّ، فلا مانع؛ لأنه ليس بين المتسابقين مقامرة إذا كان الأمر كذلك بإيجاد الجائزة من ثالث غير مشترك.
الأئمة الثلاثة يقولون: أي واحد تدخل بينهم وتبرع بجائزة فلا مانع، ومالك يقول: لا يصح هذا التبرع إلا من ولي الأمر؛ لأنه هو الذي من حقه أن يأخذ من بيت مال المسلمين ويعطي، والجمهور يقولون: هو متبرع، وليس في ذلك غضاضة عليه.
إذا لم يكن هناك ثالث تبرع بالجائزة، ولم يقبل واحد من الاثنين أن يدفع الجائزة بمفرده، وقالا: لا بد من مشاركة في الجائزة أنت تدفع النصف وأنا النصف، يقولون: إن جعلا محللاً بينهما جاز، ومن هو المحلل؟ المسابقة الآن على خيل، وكلا الفرسين في الطرفين من جنس واحد، والمحلل شخص ثالث يدخل معهما بفرس من نوع فرسيهما ويكون من عادته السبق، وكلا المتسابقين يظنان أنه قد يسبق، ويعتقدان أنه يمكن أن يسبق، لا أن يكون عاجزاً وهما يعلمان أنه لن يسبق، لأن دخوله حينئذ سيكون شكلياً ما له قيمة؛ لأن السبق سيكون بينهما فقط، والثالث معروف أنه لا يسبق، فهذه حيلة لا تصح.
فيشترط في المحلل الذي يدخل بينهما أن يكون نظيرهما تماماً، فإذا دفع أحد المتسابقين النصف، ودفع الثاني النصف الآخر، ودخل هذا المحلل على أساس أنه لو سبق أخذ الجائزة التي دفعها الطرفان، وإذا سبق واحد من الاثنين أخذها؛ لأنه يوجد ثالث يمكن أن يفوز بالجائزة، فهنا سلمت من المقامرة، هذا ما يتعلق بالسبق في الخيل والإبل.
أما النصل، وهي: الرمي بالسهام، فيكون بين اثنين أو بين فريقين، خمسة مع خمسة، أو عشرة مع عشرة، أو أكثر أو أقل، فإن كان الرمي بين اثنين فبعض العلماء يقول: يوضع لكل واحد هدفاً مستقلاً، هذا يقف هنا وهدفه أمامه هناك، والثاني هدفه أمامه هناك، وبعضهم يقول: يبقى الهدف واحداً، ويرميان تباعاً لا في وقت واحد، فإذا حددت مسافة الهدف بين أطراف أصابع القدمين وهدف الإصابة؛ كذا قدماً أو كذا متراً تحددت.
كم يكون الرمي مثلاً؟ قال: الرمي عشر مرات، كل واحد منهما يرمي عشرة أسهم، ثم يقولون: من أصاب بأكثر العشرة فهو الفائز، فكل واحد منهما يرمي عشرة أسهم.
وننظر الأول كم أصاب من العشرة، والثاني كم أصاب، فمن كانت إصابته أكثر فهو الفائز.
أو يقولون: الرمي من عشرة أسهم ولكن الفوز من إصابة خمسة، الذي يصيب خمسة من عشرة فهو فائز، فهنا يبدأ الفريق الأول يرمي إذا كان الهدف واحداً، وإن كانا هدفين فيرميان معاً، فإن أصاب أحد الفريقين الخمسة التي هي نصاب الفوز فاز، وإن أصاب الفريق الثاني الخمسة أيضاً تساويا، فلا جائزة، ولا يقال: نصلح بينهما، فالقرعة لا تدخل هنا، وإن كان الهدف واحداً فالأول يرمي إلى أن يصل إلى الخمسة، ثم يأتي الثاني ويرمي إلى أن يصل إلى الخمسة، ومن لم يصب خمسة أسهم من العشرة فليس بفائز، ومن أصاب خمسة فأكثر من العشرة فهو الفائز.
وهكذا إذا كانوا جماعة، فريق من عشرة أشخاص، وفريق من عشرة أشخاص، والرمي من عشرة سهام، فكل فريق سيرمي مائة سهم، كم مجموع الفوز من مجموع الفريقين؟ نقول: الفوز بإصابة خمسين، سواء كان الفريق الأول شخصين أو خمسة أو أكثر، على حسب العدد المتفق عليه.
إذا وصل الفريق الأول بإصابة خمسين سهم وصل إلى الفوز بالجائزة، وإذا وصل الفريق الثاني بمجموعه إلى أربعين أو إلى تسعة وأربعين، وليس بلازم أن يكون كل واحد من العشرة يصيب مثل بعض، ولو اثنين أصابوا الخمسين فهذا الفريق قد فاز، هذا ما يتعلق بعموم موضوع السبق بين المتسابقين.
نعود إلى متن الحديث، وهو الحديث الأول: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل المضمرة من ثنية الوداع إلى الحيفاء ستة أميال)، إذاً: لا مانع من أن يكون هذا المقدار على هذا النوع من الخيل في المسابقة، وسابق بين الخيل غير المضمرة من الثنية إلى مسجد بني زريق، ومسافتها ميل واحد، والله تعالى أعلم.
[وعنه رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سبق بين الخيل وفضل القرّح في الغاية)].
سابق صلى الله عليه وسلم بين الخيل، وفضل القرّح أي: الخالصة الأصيلة، يقال: ماء قراح، أي: صاف، وكذلك الخيل القرّح هي الأصيلة.
ولأصالة الخيل عند العرب تاريخ، وهواة الخيل يجعلون سجلاً لولادة خيلهم، فإن كان عنده ثلاثون رأساً من الخيل من ذكور وإناث للتناسل، فعنده سجل يسجل فيه مواليد الإنتاج، ويسجل فيه سلالة الأم وسلالة الأب، الأم هذه من أين؟ أمها ما نوعها؟ وأم أمها من أين؟ ويتبع تاريخها إلى مدى بعيد، فإذا لم يدخلها هجين قيل عنها: قرّح، أي أنها من سلالة خيل صافية، وكذلك الأب، ويغلون أثمانها إذا استوفت الشروط، وهو أن تكون من سلالة خيل صالحة لم يدخل في نسلها هجن، فكان يفاضل صلى الله عليه وسلم بينها وبين غيرها؛ لأنها أقوى وأزهى وأنسب للسباق.