ننتقل إلى مسألة مضاعفة الإثم بسبب الجوار، فنحن نعلم أن الإسلام جعل للأماكن المشرفة حرمة تعظم بسببها أجر الطاعة، فتتضاعف الحسنات، وكذلك السيئات.
ففي مكة تتضاعف الحسنة، فالصلاة في مسجد مكة بمائة ألف صلاة، وفي المسجد النبوي بألف صلاة، والمعصية في مكة تتضاعف كما تتضاعف الحسنات، كما جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لما انتدبه عمر ليفتي الناس في الحج، فاعتذر، وقال: إني لا أقوى على سكنى بلد تتضاعف فيه السيئة كما تتضاعف فيه الحسنة، وقرأ قوله تعالى:{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}[الحج:٢٥]، فمجرد إرادة السيئة في مكة يأثم به العبد.
وقد جاء في الحديث:(إن الله سبحانه وتعالى تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل)، وقال:(من همّ بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة كاملة)، فمجرد الهم بالسيئة لا يؤاخذ به الإنسان إلا في مكة، ولهذا سكن ابن عباس في الطائف وكان ينزل وقت الموسم فقط إلى مكة، ثم يرجع إلى الطائف.
وكذلك يتضاعف الذنب في الأشهر الحرم، وفي كتب الحنابلة: إذا قتل الإنسان في الأشهر الحرم تتضاعف عليه الدية، وكذلك قوله تعالى:{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}[القدر:٣] فتتضاعف فيها أجور الأعمال.
وهكذا حرمة الجار، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث المقداد بن الأسود أنه قال:(ما تقولون في الزنا؟ قالوا: حرام، حرمه الله ورسوله، قال: لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر من أن يزني بامرأة جاره، ما تقولون في السرقة؟ قالوا: حرام، حرمها الله ورسوله، قال: لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر من أن يسرق من بيت جاره، ومن أغلق بابه من جاره مخافة على أهله أو ماله فليس الجار بمؤمن).
فلماذا كانت السرقة من الجار أشد إثماً من السرقة من عشرة بيوت؟ وما الذي ضاعف الجرم في تلك الجريمة؟ إنها حرمة الجار.