فمن حقوق الجار أن تقدم له الخير، وتكف أذاك عنه، بل وتصبر على أذاه إن آذاك، وقد جاء في حديث أبي هريرة أنه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشتكي من سوء فعل جاره فقال:(ارجع فاصبر، فعاد فاشتكى، فقال: ارجع فاصبر -ثلاث مرات- وبعدها قال: اذهب وأخرج متاعك في الطريق)، الشاهد أنه أمره بالصبر على أذى جاره ثلاث مرات.
وذكروا عن الإمام أبي حنيفة أن رجلاً كان بجواره يسيء إليه كل يوم في بيته، فكان يخرج ويبعد الأذى أو الإساءة وهو صابر، وفي يوم من الأيام خرج فلم يجد تلك الإساءة التي كان يعهدها، فسأل عن جاره عندما رآه تخلف عن عادته! فأخبر أنه أحدث حدثاً وسجن، فذهب وشفع عند صاحب الشرطة حتى أخرجه، ولم يعلم هذا الجار بالذي جاء يشفع له، فلما خرج قال: من الذي أخرجني؟ قالوا: جارك جاء يشفع لك، قال: من هو؟ قالوا: أبو حنيفة! فندم على إيذائه، وكف عن ذلك.
وأخبرنا شيخنا عبد الرحمن الإفريقي يغفر له ويرحمه أن ولده ضرب بعض أولاد جيرانه، فضرب أبو المضروب ولد الشيخ، وصار في ولد الشيخ جرح أو شيء بسيط، فأخذت الشرطة هذا الأب الضارب الذي سيّل الدم من ولد الشيخ وسجنته، فذكر للشيخ ذلك، فقال: أين الجار؟ قالوا: أخذته الشرطة وسجنوه، فذهب حالاً إليهم، وقال: الولد ولدي، وهو اعتدى على ولدي، وأنا متسامح في هذا، ويجب أن تخرجوه، فقالوا: نعمل إجراءات الخروج، والمسجون لا يدري، وبعد أن طلبوه ليخرج، قالوا له: اخرج، قال: على أي أساس؟ قالوا: الشيخ جاءنا وسامحك، وطلب منا أن تخرج، فخرج من السجن ولم يذهب إلى بيته، بل ذهب إلى بيت الشيخ ليعتذر إليه من ذلك، فعلى المسلم أن يصبر على أذى الجار.
وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:(ثلاث فواقر -الفاقرة المهلكة-: أمير ظالم إن أحسنت لا يشكر، وإن أسأت لا يعفو، وجار سوء إن علم شراً أذاعه، وإن علم خيراً كتمه)، وهذا كما قال الشاعر: صم إذا سمعوا خيراً ذُكرت به وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا أي: إن سمعوا خيراً عني فهم صم لا يسمعون، وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا، أي: استمعوا ذلك، وهذا من سوء الجوار.
والفاقرة الثالثة المذكورة في ذلك الحديث هي:(امرأة سوء؛ إن حضرت آذتك، وإن غبت خانتك) وقد ذكر الله صفة الزوجة الصالحة في قوله: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}[النساء:٣٤].