الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد: قال ابن حجر رحمه الله في بلوغ المرام في كتاب الأيمان والنذور: [وعن عائشة رضي الله تعالى عنها في قوله تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ}[البقرة:٢٢٥] قالت: هو قول الرجل: لا والله! وبلى والله!].
هذا تفسير أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها لقوله سبحانه:{لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ}[البقرة:٢٢٥]، قالت: هي قول الرجل: لا والله! بلى والله! إيجاباً ونفياً.
وهذه -نسأل الله السلامة- بعض الناس يسرف فيها، فيقال له: تعال نشرب شاي، فيقول: لا والله! ولماذا حلف؟! يعتذر، وعلى أخيه أن يقبل عذره، فيقول الآخر: بلى والله! وقد قال الله: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ}[البقرة:٢٢٤]، لكن من قالها في معرض الحديث، ولم يرد انعقاد القلب عليها صدقاً أو كذباً، فلا حرج عليه.
وبعضهم يقول: لغو اليمين هو أن يحلف على شيء يظن صدقه فيه فيظهر خلافه، فهذا لغو من حيث إنه حلف على غلبة ظنه، وهو لغو من حيث إنه انكشف على غير الظن الذي ظنه.
ولكن تفسير أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها أصح، وكما يقولون: قول الصحابي في تفسير الآية مقدم على غيره ما لم يوجد له معارض، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها اشتهر عنها من الفقه والعربية، ومن الورع والعبادة أشياء كثيرة.
لما قيل لها: السعي ليس لازماً، قالت: لماذا؟ قيل: لأن الله أسقط الجناح عمن ترك الطواف بهما فقال: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}[البقرة:١٥٨]، فقالت: لا -يا ابن أختي- لو كان الأمر كذلك لقال: فلا جناح عليه ألا يطوف بهما، وإنما الآية جاءت رداً على اعتقادهم؛ لأنهم كانوا في الجاهلية يسعون بين الصفا والمروة، ووضعوا على كلٍ منهما صنماً، وكانوا يسعون بين الصنمين على الجبلين، فلما أراد المسلمون أن يسعوا بين الصفا والمروة خافوا أن يشابهوا المشركين في سعيهم لأصنامهم، فتحرج المسلمون أن يسعوا بين الصفا والمروة؛ لأن المشركين كانوا يسعون بينهما وعليهما الصنمان، فأنزل الله الآية لأنهم تأثموا، فقال:(فلا جناح) والجناح: الإثم.
فهم تأثموا أن يسعوا؛ نظراً لما كان عليه أهل الجاهلية من السعي بين الصنمين، فقالوا: كيف نفعل مثلما كانوا يفعلون؟! مع أن الأصنام قد حطمت وأزيلت، لكن محله محل فعل المشركين، فجاء:(لا جناح) فقد أزيلت الأصنام، والصفا والمروة من شعائر الله، فلا جناح على من سعى بينهما.
انظر إلى فقهها في اللغة، قالت: لو كان الأمر كذلك لقال: (فلا جناح عليه ألا يطوف).
إذاً المطلوب السعي وهو الطواف بينهما، فحينما تفسر عائشة رضي الله تعالى عنها آية من كتاب الله، ولا يوجد ما يعارضها؛ فتفسيرها مقبول كالحديث المرفوع.