وإذا جئنا إلى فقه أسرار اللغة العربية التي هي لغة القرآن، يقول علماء فقه اللغة: كلمات اللغة العربية أسر وقبائل، فكلما كانت المادة قريبة من المادة في بنائها فمعناها متقارب، وإذا اختلف حرف في هذه المادة عن تلك المادة كان المعنى المشترك بين اللفظين قريباً، وبقدر قرب الحرف من الآخر تكون الصلة والقرابة.
فهنا مثلاً وصية وصلة، فتجد كلمة (وصية) أصلها: وصي، و (صلة) أصلها: وصَلَ، فالواو والصاد في المادتين، والخلاف في لام الكلمة، والياء واللام كلاهما من مخرج متقارب، تقول: إل وإي، فمخرجهما متعلق باللسان، وليسا من الحروف المتباعدة.
إذاً: الوصية والصلة بينهما قرابة نسب وصلة رحم، فكل وصية فهي صلة، فعندما يوصي الإنسان غيره فكأنه وصله بما أوصاه به، وأنت إذا أوصيت إنساناً بشيء فكأنك وصلته بتلك الوصية.
ويقال: خبن الثوب، وغبن في البيع، (خبن وغَبَن) الباء والنون موجودان فيهما، والغين في الغبن، والخاء في الخبن مختلفان، وكلاهما من أحرف الحلق، والخبن للثوب بمعنى: النقص، مثل أن تأخذ القميص وتقصر طوله، والغبن في البيع هو: نقص في الثمن، فمعنى النقص موجود في الكلمتين، ولكن لماذا جاءت الخاء في الثوب (خبن)، والغين في البيع (غبن)؟ يقول علماء فقه اللغة: انظر إلى الحرفين المتغايرين، فهما من أحرف أدنى الحلق، لكن الغين أخفى من الخاء، والغبن في البيع أخفى من الخبن في الثوب؛ لأن خبن الثوب ظاهر تلمسه بيدك، والغبن في البيع أمر معنوي نسبي.
فنرجع إلى تعريف الوصية، فهي صلة، والصلة فيها ارتباط، فكأن الموصي يربط الموصى إليه بنفسه، ومن هنا نعلم معنى الوصية للجار ومكانتها، فحينما تقول: يا فلان! أوصيك بفلان، أي: أنك توصى به وتكرمه وتصله بنصيحتك وشفاعتك عند الغير، ويقال: أوصى لفلان ببيت أو بمال أو غير ذلك، أي: وصله بما أعطاه.