[علاج الشقاق بين الزوجين]
نعود إلى قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى} [النساء:٣٦] الآية، ما هي الآيات التي قبلها؟ هي في أمور الزوجين، قال الله سبحانه: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا} [النساء:٣٤] ثم قال سبحانه: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء:٣٤]، وأنبه الأزواج أن قوامة الرجال على النساء ليست قوامة السلطة والجبروت، ولكن هي قوامة إحسان ورعاية وضمان وكفالة وإنفاق.
وقال الله سبحانه وتعالى عن النسوة: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} [النساء:٣٤]، والنشوز: الارتفاع والتعالي، فتتعالى على الوفاء بحق زوجها، فبادروا بوعظهن قبل أن يقع شيء، والموعظة هي التخويف من اليوم الآخر، والتي ينفع فيها التخويف هي المرأة المؤمنة، وهذا يجعلنا نتساءل كيف نختار الزوجة؟ جاء في الحديث: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)، فإذا اخترتها على مبدأ (لدينها)؛ فحينما تقع منها زلة أو تأنف في موقف، فإنك تعظها، فدينها يحثها على الاتعاظ، فإذا اخترتها على مبدأ دينها كان ذلك عوناً لك عليها، وقال الله في وصف المؤمنات: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ} [النساء:٣٤].
فأمر الله سبحانه وتعالى بوعظ المرأة الناشز على زوجها، وإذا لم تنفع الموعظة فليهجرها في المضاجع، فلا يهجرها إلى بيت ثان أو غرفة ثانية، لا، بل في نفس الفراش؛ لأن البعد قد يزيد الجفا، ولا يتيح الفرصة للمصالحة، لكن اهجرها في نفس الفراش غير بعيد.
والهجر أكبر سلاح يوجه للمرأة؛ لأنه يقفل سلاحها ضد الرجل، وهي لا تملك إلا ذلك فقط، فإذا كان ذلك لا يغري الرجل، واستطاع أن يستغني عنه، بطل سلاحها، وأصبحت معطلة، فهي طعنة في الصميم، فحالاً ترجع.
فإذا لم ينفع هذا الهجر، وكان سبب النشوز قوياً، فأمر الله بضربهن، لكن أي ضرب؟ ليس كما يضرب الحيوان، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم هو يضاجعها في آخر يومه!) لكن المشروع الضرب الذي ينبهها فقط، فإذا لم ينفع ذلك بعثوا حكمين، وقوله سبحانه: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء:٣٤]، والغيب هو كل ما غبت عنه، فهي تحفظ نفسها في غيبتك، وتحفظ مالك، وأهلك، وأقاربك، وأولادك، وخدمك، فكل ذلك تحفظه المرأة الصالحة بما حفظ الله.
قال سبحانه: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء:٣٥] في الآية السابقة قال: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء:٣٤]، فعند إعطائك السلطة، واستخدامك للحق الذي أعطاك الله إياه من القوامة والموعظة والهجر والضرب، ذكرك الله بأنه علي كبير، يعني: بقدر ما تتعالى على المرأة، وبقدر ما تملك أن تتصرف هذا التصرف، فالله أعلى منك، وسلطة الله عليك أقوى من سلطتك عليها.
ولما قال عن الحكمين: (إن يريدا إصلاحاً)، فهل الإرادة أمر ظاهر، أو أمر خفي؟ أمر خفي، والذي يعلم حقيقة إرادة الإصلاح هو الله، ولذا قال: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء:٣٥]، فقوله: (عَلِيمًا خَبِيرًا) تتناسب مع النية وإرادة الإصلاح، وقوله: (عَلِيًّا كَبِيرًا) تتناسب مع القوامة والنصح والهجر والضرب.
ثم بعد هذا ذكر الله الزوجين أثناء الخصومة والشقاق والنزاع بينهما بحق الله، وبحق الوالدين، وبحق الأقارب، وبحق الجيران، وبحق الأيتام والمساكين، وابن السبيل والصاحب بالجنب، وهذا التذكير حتى لا تطغى قضايا الزوجين من الشقاق والنزاع على الحقوق العامة لله وللآخرين، فذكر هنا الوصية بالجار.
والله أسأل أن يوفقني وإياكم والمسلمين لما يحبه ويرضاه، وأن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.