والجيران أنواع، وقد ذكرهم الله في كتابه فقال:{وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ}[النساء:٣٦]، فمن هو الجار ذو القربى؟ ذو القربى من كان من القرابة، فهل هو قرب المكان قرباً حسياً أو هو القريب النسب مثل: ابن عمك، وابن خالك وخالتك وعمتك؟ القربى هنا قربى النسب، فيجتمع له ثلاثة حقوق: حق الجوار، وحق القربى، وحق الإسلام.
والجار الجنب قالوا: هو الأجنبي (الصاحب بالجنب) هي: الزوجة، وقيل:(الصاحب بالجنب) يشمل الزوجة وغيرها، فالزوجة صاحبة بالجنب، وقيل:(الصاحب بالجنب) الصديق الذي يصاحبك، هو الرفيق في السفر.
أنواع الجوار: جار قريب في النسب، وجار بعيد نسباً، والقرب والبعد في الجوار إلى أي حد؟ ذكر البخاري في الأدب المفرد وغيره عن الزهري أنه قال: حد الجار أربعون داراً أمامك، وأربعون داراً وراءك، وأربعون داراً عن يمينك، وأربعون داراً عن يسارك، وقد روي هذا التحديد في حديث وهو: أن رجلاً جاء يشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جاره؛ فقال:(يا رسول الله! إني نزلت حرة بني فلان -منطقة أو جهة- وإن أقربهم لي جواراً أشدهم عليّ إيذاء، فبعث الرسول عليه الصلاة والسلام أبا بكر وعمر إلى المسجد، وأمرهما أن يقفا على الأبواب ويناديان: ألا إن أربعين داراً جار، لا يؤمن من لم يأمن جاره بوائقه).
فإذا كان تحديد الجوار أربعين داراً، وكلها داخل في الوصية بالجار، فهذه الأربعون تتفرع، فأقصى بيت من الأربعين يراعي حقوق أربعين بيتاً أخرى بجواره، وآخر الأربعين الثانية يراعي حرمة أربعين بيتاً أخرى، وهكذا، فماذا تكون النتيجة؟ تتموج حقوق الجوار وتنتشر كتموج موجات الأثير حتى تعم العالم كله، ولا يبقى شبر على وجه الأرض إلا ودخل في وصية النبي صلى الله عليه وسلم بالجار، وهذا إذا وسعنا نطاق الجوار في المدن، فالمدينة النبوية جوارها مثلاً عنيزة أو البلدة الفلانية، ولو راعينا حرمة الجوار بين الأفراد وبين القرى وبين المدن وبين الأقطار في الدنيا، لحصل خير كبير، فكل دولة تراعي حقوق جارتها، وكل قرية تراعي حقوق جارتها، فلا يوجد في وجه الأرض شبر إلا ودخل في هذه الوصية؛ فالجوار يشمل الجميع، وإذا توسعت دائرة الجوار شملت العالم.