وإذا نظرنا إلى درء المفاسد، نجد أنه صلى الله عليه وسلم يضع هذا المبدأ بقوله:(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
وقال:(والله لا يؤمن، من لا يأمن جاره بوائقه).
وقال:(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره)، وفي الراوية الأخرى:(فليحسن إلى جاره)، وفي الرواية الثالثة:(فلا يؤذ جاره)، وهذه الأحاديث في الصحيحين، وفي رواية:(لا يؤمن أحدكم حتى يحسن إلى جاره).
إذاً: ينفي صلى الله عليه وسلم الإيمان عن الذي لا يحسن إلى جاره، وعن الذي يسيء إلى جاره، وعن الذي لا يكرم جاره.
والإحسان إلى الجار هو: جلب المنفعة إليه وعدم إيذائه، ودرء المضرة عنه، وإكرامه يكون بمعاملته بمكارم الأخلاق.
فيجب أن تبتعد عن أذى الجار، وأن تصبر على أذاه، وعليك أن تراعي الجار حتى في دواجنه وفي ماله، جاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها فيما رواه البيهقي في شعب الإيمان والبخاري في الأدب المفرد، (أن امرأة قالت لأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها: إن إحدانا يدعوها زوجها إلى فراشه فتمتنع لمرض، أو لكراهية، أو لعدم رغبة، فهل عليها شيء؟ قالت: نعم، لو أن زوج إحداكن طلبها على قتب بعير لوجب عليها أن تجيبه، جاء صلى الله عليه وسلم في يوم نوبتي، وكان من عادته إذا جاء أن يرد الباب، وكان عندي شعير صنعت منه قرصاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقلت: إذا جاء أطعمه إياه، فدخل وهو مبرود شديد البرد، فقال: أدفئيني، وكنت حائضاً، فقلت: إني حائض، فقال: لا عليك، اكشفي فخذك، فوضع خده على فخذي، وترك الباب مفتوحاً، فدخلت داجن لجارنا فأخذت القرص، فبادرتها إلى الباب، فانتبه صلى الله عليه وسلم فقال: خذي ما أدركت من قرصك، ولا تؤذ جارك في شاته).
الرسول صلى الله عليه وسلم جاء وهو شديد البرد، وعملت له القرص ليتعشى به، وما عندها غيره، فرأت الداجن الباب مفتوحاً فدخلت، فلحقتها عائشة رضي الله تعالى عنها إلى الباب خوفاً أن تأكل منه شيئاً، فقال لها صلى الله عليه وسلم:(خذي ما أدركت، ولا تؤذ جارك في شاته)، مع أنها شاة معتدية، أخذت عشاءهم.
إذاً: إيذاء الجار في أولاده، وفي قراباته، وفي ماله، وفي مصالحه، وفي شخصه، لا يجوز.