للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قرر١ أمر التسخير، وأن منه ما هو بالمال، ومنه ما هو با لحال، وأن ما هو بالحال مثل تسخير الطفل لأبيه بالقيام في مصالحه، وتسخير الرعايا للملك بقيامه في مصالحهم, قال: "وهذا كله تسخير بالحال من الرعايا يسخرون [في ذلك] مليكهم، ويسمى على الحقيقة تسخير المرتبة، فالمرتبة حكمت عليه بذلك، فالعالم كله يسخر بالحال من لا يمكن أن يطلق عليه اسم مسخر. قال الله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ [فِي] شَأْنٍ} [الرحمن: ٢٩] فكان عدم قوة إرداع هارون بالفعل أن ينفذ في أصحاب العجل بالتسليط على العجل، كما سلط موسى [عليه] حكمة من الله ظاهرة في الوجود؛ ليعيد في كل صورة٢، وإن ذهبت تلك الصورة بعد ذلك, فما ذهبت إلا بعد ما تلبست عند عابدها بالألوهية، ولهذا ما بقي نوع من الأنواع إلا وعبد, إما عبادة تأله، وإما عبادة تسخير، فلا بد من ذلك لمن عقل، وما عبد شيء من العالم إلا بعد التلبس بالرفعة عند العابد، والظهور بالدرجة في قلبه، ولذلك تسمى الحق لنا برفيع الدرجات، ولم يقل: رفيع الدرجة، فكثر الدرجات في عين واحدة، فإنه قضى أن لا يعبد إلا إياه في درجات كثيرة مختلفة، أعطت كل درجة مجلى إلهيا عبد فيها.

[الهوى رب الصوفية الأعظم]

وأعظم مجلى عبد فيه، وأعلاه الهوى، كما قال: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية: ٢٣] وهو أعظم معبود، فإنه لا يعبد شيء إلا بالله، ولا يعبد هو إلا بذاته٣" ثم قال: "والعارف المكمل من رأى كل معبود مجلى للحق يعبد


١ أي: ابن عربي.
٢ يفتري على الله أنه يسخر الناس ليعبدوه في كل صورة، أي: ليعبد كل إنسان نفسه وغيره من جماد وحيوان فإله الصوفية عين كل كائن، وعين كل شهوة وعين كل جريمة، وعين كل فاحشة.
٣ ص١٩٤ فصوص. وبهذا يوقن القارئ أننا لم نتجن على الصوفية، فيما =

<<  <  ج: ص:  >  >>