للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحاورة عارفا بالأمور كاشفا لها، ودليلي على كشفه لها قوله: {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وأي بشارة للخلق أعظم من هذه؟ ثم من امتنان الله علينا أن أوصل إلينا هذه المقالة عنه في القرآن.

[ظن الصوفية بالله سبحانه]

ثم تممها الجامع للكل محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بما أخبر به عن الحق أن عين السمع والبصر واليد والرجل واللسان، أي: هو عين الحواس والقوى الروحانية أقرب من الحواس، فاكتفى بالأبعد المحدود عن الأقرب المجهول الحد١، فترجم الحق لنا عن نبيه هود مقالته لقومه بشرى لنا، وترجم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-[عن الله] مقالته بشرى، فكمل العمل في صدور الذين أوتوا العلم {وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ} [العنكبوت: ٤٧] فإنهم يسترونها -وإن عرفوها- حسدا منهم ونفاسة وظلما، وما رأينا قط من عند الله في حقه تعالى في آية أنزلها، أو إخبار عنه أوصله إلينا فيما يرجع إليه إلا بالتحديد، تنزيها كان أو غير تنزيه، أولها العماء الذي ما فوقه هواء، وما تحته هواء، فكان الحق فيه قبل أن يخلق الخلق، ثم ذكر أنه استوى على العرش، فهذا أيضا تحديد، ثم ذكر أنه ينزل إلى السماء الدنيا، فهذا تحديد، ثم ذكر أنه في السماء، وأنه في الأرض٢ وأنه


١ يقول الزنديق: إذا كان الله سبحانه عين حواس العبد وجوارحه, فأولى أن يكون عين قواه الروحية ... ويريد بالأبعد المحدود: الحواس وبالأقرب المجهول: القوى الروحية، الألسنة الآثمة الوالغة في الأعراض، والأيدي الملوثة بالجريمة السابقة، والأقدام التي تدب تحت الليل لتنتهك كل حرمة، وتستلب كل كنين. والشفاه الملوثة بأصباغ الشهوات. إنها ألسنة وأقدام وأيدي وشفاه الإله الذي يعبده الصوفية.
٢ يومئ إلى قوله سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: ٨٤] ويزعم أنها ذات دلالة على أن الله في السماء، وفي الأرض، بل عين السماء وعين الأرض، في حين أن دلالة جلية بينة على أنه سبحانه وحده إله من =

<<  <  ج: ص:  >  >>