للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجبريل قل لي: كان دحية إذ بدا ... لمهدي الهدى في هيئة بشرية

وفي علمه عن حاضريه مزية ... بماهية١ المرئي من غير مرية

يرى ملكا يوحي إليه، وغيره ... يرى رجلا يرعى لديه لصحبة

ولي من أصح الرؤيتين إشارة ... تنزه عن رأي الحلول عقيدتي

[يدين بتلبس الله بصورة خلقه]

قالوا: "إن المراد -كما هو ظاهر جدا- أن جبريل عليه السلام ظهر في صورة دحية من غير حلول فيه، ولأجل ظهوره كذلك ادعى أن الله تعالى تجلى بصورة الناظم، لم يدع حلوله٢ فيه".


١ ماهية الشيء: حقيقته التي تقال في جواب: ما هو؟
٢ مع كفره البين بقياس شأن الله على شأن عبده جبريل، وحكمه بوقوع تلبس الخالق بصور الخلق، قياسا على ما وقع لجبريل, إذ تلبس بصورة دحية.
أقول: مع كفره بهذا، فالحديث ناطق بالحق يهدم ما بنى ابن الفارض ومخانيثه عليه من باطل، فهو لا يثبت إلا ظهور جبريل بصورة دحية، فلم يكن ثم -إذا- ذاتان اتحدت إحداهما بالأخرى, أو صورتان لحقيقة واحدة، وإنما كان ثم غيران منفصلان تمام الانفصال، ليسا متحدين لا في ذات، ولا في صفة، ولا في فعل بل ولا في ماهية أو هوية، ولكل منهما خصائصه، ومقوماته وحياته التي لا تشبه الأخرى في أدنى شيء، أو تقاربها، كان ثم الحقيقة الملكية، وكان ثم الحقيقة الآدمية. وهذا نقيض ما يدين به ابن الفارض، إذ يدين بالوحدة التامة بينه وبين الله في الهوية والماهية والذات والصفة، يؤمن بأن هذه الكائنات التي لا تتناهى هي عين الذات الإلهية. وأنت -ولا ريب- قد آمنت بأن الحديث حجة عليه لا له. ثانيا: فصل الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وهو سيد العارفين، كما يوقنون- بحكمه عن بينة بين جبريل، وبين دحية، وهذا الفصل يقتضي أن ذات جبريل غير ذات دحية, أعني يستلزم الغيرية بالحقيقية. وابن الفارض يدين بعدم الغيرية، وينكرها بتاتا. ثالثا: حينما ظهر جبريل بصورة دحية كان ثم أغيار كثيرون حقيقيون غيره. هم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه، وكان ثم المكان. =

<<  <  ج: ص:  >  >>