٢ مع كفره البين بقياس شأن الله على شأن عبده جبريل، وحكمه بوقوع تلبس الخالق بصور الخلق، قياسا على ما وقع لجبريل, إذ تلبس بصورة دحية. أقول: مع كفره بهذا، فالحديث ناطق بالحق يهدم ما بنى ابن الفارض ومخانيثه عليه من باطل، فهو لا يثبت إلا ظهور جبريل بصورة دحية، فلم يكن ثم -إذا- ذاتان اتحدت إحداهما بالأخرى, أو صورتان لحقيقة واحدة، وإنما كان ثم غيران منفصلان تمام الانفصال، ليسا متحدين لا في ذات، ولا في صفة، ولا في فعل بل ولا في ماهية أو هوية، ولكل منهما خصائصه، ومقوماته وحياته التي لا تشبه الأخرى في أدنى شيء، أو تقاربها، كان ثم الحقيقة الملكية، وكان ثم الحقيقة الآدمية. وهذا نقيض ما يدين به ابن الفارض، إذ يدين بالوحدة التامة بينه وبين الله في الهوية والماهية والذات والصفة، يؤمن بأن هذه الكائنات التي لا تتناهى هي عين الذات الإلهية. وأنت -ولا ريب- قد آمنت بأن الحديث حجة عليه لا له. ثانيا: فصل الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وهو سيد العارفين، كما يوقنون- بحكمه عن بينة بين جبريل، وبين دحية، وهذا الفصل يقتضي أن ذات جبريل غير ذات دحية, أعني يستلزم الغيرية بالحقيقية. وابن الفارض يدين بعدم الغيرية، وينكرها بتاتا. ثالثا: حينما ظهر جبريل بصورة دحية كان ثم أغيار كثيرون حقيقيون غيره. هم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه، وكان ثم المكان. =