للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[العبد عين الرب عند الصوفية]

ثم قال في فص كلمه علية في كلمة إسماعيلية: "والعبد١ من كان عند ربه مرضيا، وما ثم إلا من هو مرضي عند ربه؛ لأنه الذي يبقي عليه ربوبيته، فهو عنده مرضي فهو سعيد": ثم قال؛ شعر:

فأنت عبد, وأنت رب ... لمن له فيه أنت عبد

وأنت رب، وأنت عبد ... لمن له في الخطاب عهد

فكل عقد عليه شخص ... يحله من سواه عقد٢

فرضي الله عن عبيده، فهم مرضيون، ورضوا عنه، فهو مرضي، فتقابلت الحضرتان٣ تقابل الأمثال، والأمثال أضداد، لأن المثلين حقيقة لا يجتمعان, إذ لا يتميزان، وما ثم إلا متميز، فما ثم مثل٤، فما في الوجود مثل، فما في الوجود ضد، فإن الوجود حقيقة واحدة، والشيء لا يضاد نفسه.


١ في الأصل: والسعيد.
٢ البيتان الأخيران ساقطان من الأصل، وأثبتهما عن الفصوص. يقرر ابن عربي: أن الإنسان رب من حيث هويته التي هي عين هوية الحق، وهو عبد باعتبار ما أطلقه عليه الشرع. ويعني بالعهد: المفهوم من قوله سبحانه: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} مبتغيا من وراء ذلك إثبات أن ما سمي في عرف الشرع عبدا ما هو في الحقيقة إلا رب حق يدين بربوبيته العارفون، ويشهد بحقها السالكون على بصيرة.
٣ هما حضرة الربوبية، وحضرة العبودية، ويقرر ابن عربي: أن من يغاير بينهما محجوب أعمى البصيرة، جاهل بحقيقة الله سبحانه.
٤ في الأصل: إلا مثل. وابن عربي ينفي المثلية لأنه يدين بأن الوجود حقيقة واحدة، أما المثلية، فتستلزم الاثنينية والغيرية بوجه ما. ومن ثم عنده إلا حقيقة واحدة، أو وجود واحد لا كثرة فيه، ولا تعدد, ولا تباين، فالشيء الواحد لا يقال إنه يغاير نفسه، أو يضادها, أو يماثلها. هذا ما يريده بنفي المثلية، وقد بناه على ما يدين به من وحدة الوجود. ويغلو ابن عربي في جرأة الزندقة، فيزعم أن معتقده هذا دل عليه برهان العيان، أي: شهود الحق متعددا في مظاهر خلقية.

<<  <  ج: ص:  >  >>