وهكذا يؤكد ما قررته من قبل، وهو أن ابن الفارض ممن يدينون بالوحدة، لا بالاتحاد، ألا تراه يكرر دائما أنه آمن عن يقين أنه ما كان في حال ما، ولا زمان ما غير ولا سوى وإنما كان ثم حقيقة واحدة هي الذات الإلهية تجلت في صور خلقية، أما الاتحاد، فيستلزم أنه كان قبل وجودان، ثم اتحد أحدهما بالآخر، وهذا ما ينكره ابن الفارض وينفيه نفيا باتا. قد يقال: وما لابن الفارض إذن يعبر عن معتقده: بالاتحاد؟ أقول: مما يفصل به ابن الفارض في التائية الكبرى تجزم بأنه يستعمل الاتحاد بمعنى الوحدة، والعبرة بمعانيه، لا بألفاظه، أو لعل لحظات العجب النفسي، كانت تجمح بخياله الزنديقي إلى محاولة إثبات أنه هو وحده الذي تعينت فيه الذات الإلهية، ثم يفيق من هذا العجب، فيقررها شاملة عامة، هي أن مظاهر الوجود مقومات للذات الإلهية.