للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقلوب العارفين١، كما أن وقوع المتشابه في الشرع ابتلاء لقلوب الراسخين, فأراد بالبقاء التخلق بالأخلاق الإلهية، والتنصل عن كدورات الصفات البشرية والفناء عندهم عبارة عن اطمحلال الكائنات في نظرهم مع وجودها، وعن الغيبة عن نسبة أفعالهم إليهم، وكذا الوحدة المطلقة عبارة عن مشاهدة الله -لا غير- من بين الموجودات لاطمحلالها مع تحققها ووجودها عند ظهور أنوار التجليات، كاطمحلال الكواكب مع وجودها عند ظهور نور الشمس في النهار، فإن كان العارف في هذه الحال يرى نفسه، فذلك هو الفناء في التوحيد, وهو مرتبة الخواص، وهو مشوب بكدورة وقصور، وإن غاب مع ذلك عن مشاهدة نفسه


= وأمشاج من الزور ما زعمه البخاري هنا، ألا تراه يدين بأن الشريعة، لا يحكم عليها حتى بالعقل، بل بما يغيم على النفس من خواطر الأوهام، ويدين على الفكر من غيوم الأهواء؟ يدين بأن الكشف -وهو ألعن أسطورة ابتدعها الصوفية لمحاربة الكتاب والسنة- هو مقياس حقائق الشرع، تقاس بأوهامه يقين الوحي الإلهي، وقيمه السماوية المقدسة. وأن الكشف هو الذي يحدد لكل حقيقة شرعية مفهومها وغايتها، أو ما أراده الله منها وبها؟ وهكذا يأبى الخبل الصوفي إلا أن ينطق علاء الدين بهوسه وخرافاته.
١ يعرف الصوفية الكشف بأنه الاطلاع على ما وراء الحجاب من المعاني الغيبية، والأمور الحقيقية وجودا وشهودا، والله سبحانه هو القائل {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} ، والبخاري -وهو يرد على الصوفية، ليبطل ما يدينون به من الوحدة- يتهاوى في نفس الحمأة، هذا لأنه صوفي, لا يحب أن ينسى -وهو يرد على غيره من الصوفية- تصوفه هو، لا ينسى طريقته التي يود أن يصرف الناس إليها وحدها. ولكن حسبنا منه -وهو أكبر صوفي في عصره- اعترافه الصريح، وحكمه البين على ابن عربي وابن الفارض بأنهما خارجان عن حقيقة الإسلام، والأول شيخهم الأكبر، وكبريتهم الأحمر، والآخر سلطان عاشقيهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>