للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} ١ [الأنفال: ١٧]


١ يتخذ الصوفية -كدأبهم في التلبيس الزنديقي- من هذه الآية دليلا على أن فعل العبد عين فعل الله، ليثبتوا من ورائه أن ذات العبد عين ذات الله سبحانه وإليك ما يرد به الإمام ابن تيمية بهتانهم" قوله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} لم يرد به أن فعل العبد هو فعل الله، كما تظنه طائفة من الغالطين فإن ذلك لو كان صحيحا، لكان ينبغي أن يقال لكل أحد حتى يقال للماشي: ما مشيت، ولكن الله مشى، ويقال مثل ذلك للآكل والشارب والصائم والمصلي ونحو ذلك، وطرد ذلك يستلزم أن يقال: وما كفرت إذ كفرت، ولكن الله كفر، ويقال للكاذب.. ومن قال هذا فهو ملحد خارج عن العقل والدين.
ولكن معنى الآية: أن النبي -صلي الله عليه وسلم- يوم بدر رماهم، ولم يكن في قدرته أن يوصل الرمي إلى جميعهم، فإنه إذا رماهم بالتراب، وقال "شاهت الوجوه" ولم يكن في قدرته أن يوصل ذلك إليهم كلهم، فالله تعالى أوصل ذلك الرمي إليهم بقدرته يقول: وما أوصلت إذ حذفت ولكن الله أوصل, فالرمي الذي أثبته ليس هو الرمي الذي نفاه عنه، وهو الإيصال والتبليغ، وأثبت له الحذف والإلقاء" باختصار قليل جدا عن مجموعة الرسائل والمسائل ص٩٦ جـ١ وأقول: تثبت الآية وجود رام، وشيء رمي، وقوم أصيبوا بما رمي، فعلى فرض صحة إفكهم أن الرامي هو الله في صورة محمد، فمن هم أولئك الذين رماهم الله؟ وما ذلك الشيء الذي رماهم به، أهم عين الله، أم هم غيره؟ إن قيل بالأول لزمهم كون ربهم من عتاة الجاهلية عباد الصنم، وأنه غلب على أمره. وأصيب بما لم يملك له دفعا. وهذا هو إله الصوفية الذي تصنعه الأوهام والشهوات. وإن قيل بالثاني لزم وجود غير، بل أغيار كثيرة، وهذا نقيض ما يدعونه، وهو أن الله سبحانه عين كل شيء، وتعالى الله عما يصفون.

<<  <  ج: ص:  >  >>