للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتحكم عليه "إلى" فله الوجود الأثم، وهو المؤتي جوامع الكلم والحكم "مما خطيئاتهم١" فهي التي خطت بهم، فغرقوا في بحار العلم بالله، وهو الحيرة "فأدخلوا نارا" في عين الماء٢، في المحمديين {إِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير: ٦] سجرت التنور إذا أوقدته. {فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا} فكان الله عين أنصارهم٣ فهلكوا فيه إلى الأبد، فلو أخرجهم إلى السيف، سيف الطبيعة لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة، وإن كان الكل لله، وبالله، بل هو الله. "قال نوح: رب" ما قال: إلهي. فإن الرب له الثبوت، والإله يتنوع٤ بالأسماء، فهو كل يوم هو في شأن. فأراد بالرب ثبوت التكوين؛ إذ لا يصح إلا هو.


١ يقصد قوله تعالى عن قوم نوح {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا} [نوح: ٢٥] ويمجد الفاجر خطايا الوثنيين من قوم نوح، ويزعم أنه خطت بهم إلى قدس أقداس الحقيقة، فعرفوا أنهم أرباب تعبد آلهة هي الأصنام، ويفسر الإغراق بأنه إغراق في بحار العلم بالله!.
٢ يفسر النار بأنها هي الماء، فأي عمه بصري، وغباء حسي، وخيال فكري أخبث من هذا؟
٣ في الأصل: ناصرهم. وتأمل رعونة الزندقة، وجرأة باطلها على الحق المبين من كتاب الله. إذ يزعم أن الله سبحانه ما نفى وجود الأنصار للوثنيين، إلا لأن الله نفسه كان هو عين أنصار أولئك الوثنيين، فما ثم غيره حتى يمكن نفي وجوده. ولم لا يفجر الزنديق كل هذا الفجور، وهو يدين بأن هذه الأوثان هي الله سبحانه عما يأفك الزنادقة.
٤ في الأصل: تنوع. وابن عربي يدين بأن كل شيء هو اسم إلهي تعين في صورة ذلك الشيء. ولذا. فكل شيء إله يجب أن يعبد، ولما كان لكل شيء اسمه الخاص به، فإن الحق تعددت، وتنوعت أسماؤه تبعا لتنوع الأشياء وتعدد أسمائها، فالأشياء كلها تعينات أسمائه. فيسمى الإله الصوفي إذن صنما باعتبار تعينه في شيء سمي: الصنم ويسمى: عجلا، وخنزيرا، وميكروبا، وقاتلا، وبغيا، بنفس ذلك الاعتبار فلا تعجب: إذا رأيت الصوفي يعبد درويشة، أو عاهرة، فإنهما اسمان لإلههما تعينا في صورتي درويشة وعاهرة، هذا ما يريده ابن عربي، الشيخ الأكبر والكبريت الأحمر من قوله: والإله يتنوع بالأسماء.

<<  <  ج: ص:  >  >>