للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وجهه الحلاوة والمهابة، فأخذ بمجامع القلوب محبة ومهابة، فحنت إليه الأفئدة، وقرت به العيون، وأنست به القلوب، فكلامه نور، ومدخله نور، ومخرجه نور، وعمله نور، وإن سكت علاه الوقار، وإن تكلم أخذ بالقلوب والأسماع. …

وأما الكبر: فأثر من آثار العجب والبغي من قلب قد امتلأ بالجهل والظلم، ترحلت منه العبودية، ونزل عليه المقت، فنظره إلى الناس شزر، ومشيه بينهم تبختر، ومعاملته لهم معاملة الاستئثار، لا الإيثار ولا الإنصاف، ذاهب بنفسه تيهاً، لا يبدأ من لقيه بالسلام، وإن رد عليه رأى أنه قد بالغ في الإنعام عليه، لا ينطلق لهم وجهه، ولا يسعهم خلقه، ولا يرى لأحد عليه حقاً، ويرى حقوقه على الناس، ولا يرى فضلهم عليه، ويرى فضله، لا يزداد من الله إلا بعداً، ومن الناس إلا صغاراً أو بغضاً. …

ثانياً: الفرق بين الصيانة والتكبر. …

أن الصائن لنفسه بمنزلة رجل قد لبس ثوباً جديداً نقي البياض ذا ثمن، فهو يدخل به على الملوك فمن دونهم، فهو يصونه عن الوسخ والغبار، والطبوع وأنواع الآثار إبقاء على بياضه ونقائه، فتراه صاحب تعزز وهروب من المواضع التي يخشى منها عليه التلوث، فلا يسمح بأثر ولا طبع ولا لوث يعلو ثوبه، وإن أصابه شيء من ذلك على غرة بادر إلى قلعة وإزالته ومحو أثره، وهكذا الصائن لقلبه ودينه تراه يجتنب طبوع الذنوب وآثارها، فإن لها في القلب طبوعاً وآثاراً أعظم من الطبوع الفاحشة في الثوب النقي للبياض، ولكن على العيون غشاوة أن تدرك تلك الطبوع، فتراه يهرب من مظان التلوث، ويحترس من الخلق، ويتباعد من تخالطهم مخافة أن يحصل لقلبه ما يحصل للثوب الذي يخالط الدباغين

<<  <  ج: ص:  >  >>